وذلك : لأن الأمر تعلق بالطهارة وهي امر بسيط ، وهذه الأفعال محققات ومحصلات للطهارة ، فيكون الشك في اعتبار جزء فيها شكا في المحصل ، والمقرر انه مجرى للاشتغال ، لأنه شك في تحقق الامتثال لا في التكليف.
وقد استشكل في هذا الوجه : بان الطهارة ليست امرا مغايرا لهذه الأفعال ، فانها عنوان لهذه الأفعال ، فوجودها عين وجود الأفعال. وعليه فيكون الشك في الحقيقة شكا في التكليف الزائد ، لأن الأمر متعلق بهذه الأفعال بعنوان كونها طهارة.
وهذا الوجه مما يشعر به كلام الفقيه الهمداني وحققه المحقق الأصفهاني وتابعة على ذلك السيد الخوئي (١).
ولتوضيحه نقول : ان الأمور الاعتبارية التي تتحقق بأمر من الأمور ..
تارة : تكون نسبتها إلى ما يحققها نسبة المسبّب إلى المسبّب ، فيكون لها وجود منحاز عن وجود سببها في عالم الاعتبار ، وتكون مغايرة له نظير الملكية بالنسبة إلى العقد ، فان الملكية غير العقد.
وأخرى : تكون نسبتها إلى المحقق نسبة العنوان إلى المعنون ، بحيث ينطبق الأمر الاعتباري على نفس محققه فلا تكون بينهما مغايرة وانفصال ، نظير التعظيم الحاصل بالقيام ، فان التعظيم من الأمور الاعتبارية التي تختلف باختلاف الأنظار. ومن الواضح انه ينطبق على نفس القيام ، فيقال للقيام انه تعظيم فليس التعظيم غير القيام وجودا.
إذا عرفت ذلك نقول : ان من يذهب إلى إجراء الاشتغال في الطهارات الثلاث ينظر إلى ان نسبة الأفعال إلى الطهارة نسبة السبب إلى المسبب ، نظير العقد والملكية الحاصلة به ، ومن يذهب إلى إجراء البراءة ينظر إلى ان نسبة
__________________
(١) الغروي الميرزا علي. التنقيح في شرح العروة الوثقى ٣ ـ ٥١٥ ـ ٥١٧ ـ الطبعة الأولى.