وبالجملة : لا ينحصر طريق العبادية في مطلق المقدمات بقصد الأمر الغيري ، بل ينحصر في المقدمات غير العبادية في أنفسها. فلاحظ.
الثانية : ـ وهي التي تعرض إليها في الكفاية (١) ، ولعله لم يتعرض للأولى لأجل ما ذكرناه ـ انه إذا كانت المقدمة مع قطع النّظر عن الوجوب الغيري محرمة في نفسها ، كالعبور في الأرض المغصوبة مقدمة لإنقاذ الغريق ، فانه بناء على القول بوجوب مطلق المقدمة يكون العبور في الأرض غير حرام ولو لم يقصد به التوصل إلى الواجب ، لأنه واجب مطلقا فترتفع الحرمة بوجوبه. واما بناء على القول بوجوب المقدمة التي يقصد بها التوصل ، فيكون العبور مع عدم قصد التوصل حراما ، لأنه ليس بواجب فلا حكم يزاحم الحرمة.
إذا اتضح ذلك ، فقد استدل على اعتبار قصد التوصل في معروض الوجوب الغيري بوجهين :
الوجه الأول : ما ذكره في التقريرات وذكره المحقق الأصفهاني ببعض تغيير : ان الوجوب الغيري متعلق بعنوان المقدمة دون ذوات الأعمال ، فليس هو متعلق بالمشي بذاته ، بل بما انه مقدمة ، فعنوان المقدمة مأخوذ في معروض الوجوب الغيري ، لما حقق من ان الجهات التعليلية تكون تقييدية في الأحكام العقلية ، فمرجع حكم العقل بحسن ضرب اليتيم للتأديب إلى حكمه بحسن التأديب ، وضرب اليتيم من مصاديقه فيكون محكوما بالحسن قهرا. وهكذا مرجع حكمه باستحالة أخذ الأمر في متعلقه للزوم الدور ، إلى حكمه باستحالة الدور وتطبيقه على المورد.
ثم انه قد تقرر أيضا ان متعلق الأمر هو الحصة الاختيارية ، إذ غير الاختيارية غير قابلة للبعث والدعوة. ومن الواضح ان الاختيار يتقوم بتحقق القصد إلى العمل إذ بدونه لا يكون اختياريا بل قهريا.
__________________
(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١١٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهمالسلام.