وهذا الوجه وان لم يكن كسابقه في الوهن ، لكنه غير سديد ، فانه لا يخلو عن نوع مغالطة ، وذلك لأن معنى الحجية الثابتة للأمارة هو المنجزية والمعذرية ، أعني ما يصح به احتجاج المولى على العبد لو صادف الواقع ، واحتجاج العبد على المولى لو خالف ، والأول المقصود بالمنجزية والثاني هو المقصود بالمعذرية ، فيكون العبد موظفا بما تؤدّيه الأمارة ما دامت قائمة ويكتفي به عن الواقع في حال قيامها. فإذا انقطعت حجيتها وانكشف ان الواقع على خلاف ما أدّته لزم ترتيب الآثار الواقعية على عدم إتيانه ، ولا مجال للاكتفاء بالوظيفة الظاهرية عن الواقع بعد فرض انكشاف الخلاف والعلم بأنها على خلاف الواقع بالحجة الأخرى ، لأن الاكتفاء بمؤداها عن الواقع ـ بمعنى المعذورية عنه ـ انما يثبت ما دامت قائمة وحجة ، فإذا انتفت حجيتها لم يثبت الاكتفاء بها عن الواقع. وهكذا الحال لو التزم بان المجعول في الأمارة هو الحكم المماثل ، فانه بلحاظ ترتب المنجزية والمعذرية عليه ، والمعذرية مستمرة باستمرار الحجية ، فإذا انقطعت الحجية انقطعت المعذورية ولزم العمل بالواقع الّذي قامت عليه الحجة المخالفة.
وبالجملة : الاكتفاء بمؤدى الأمارة عن الواقع انما هو ما دامت الأمارة حجة ، فإذا انتفت حجيتها بقيام حجة أخرى أقوى منها امتنع الاكتفاء بمؤداها ، إذ لا وجه له ، لأن غاية ما تتكفله الأمارة الأولى هو المعذرية عن الواقع ، بمعنى عدم صحة المؤاخذة على الواقع ، وهي ثابتة ، ولكنها انقطعت بقيام الأمارة الأخرى فلا بد من ترتيب الآثار الواقعية التي تقضي بها الأخرى ، ومنها وجوب القضاء أو الإعادة ونحوهما. فلاحظ.
الثالث : ان الالتزام بعدم الاجزاء مستلزم للعسر والحرج ، وذلك فان إعادة الصلاة أربعين سنة على من قلد مجتهدا لا يقول بوجوب السورة هذه المدة ، ثم قلد من يقول بوجوبها ، وكان قد أتى بالصلاة بدون سورة ، موجب للحرج الشديد بلا كلام ، وهكذا الالتزام ببطلان جميع معاملات من قلّد مجتهدا يذهب