ولتوضيح جهة الفرق : لا بد أولا من الإشارة إلى جهة ثبوت المصلحة في المؤدى الّذي هو مفاد الالتزام بالسببية ، فنقول : ان الوجه فيه أحد امرين :
الأول : ان الأمر الّذي تتكفله الأمارة كسائر الأوامر الشرعية الواقعية لا بد ان يكون بملاك وجود المصلحة في متعلقه ، وإلاّ لم يتجه البعث نحو متعلقه من الحكيم العادل. ولا خصوصية للأمر الواقعي في كونه تابعا للمصلحة في متعلقه دون غيره ، فما تقوم عليه الأمارة من امر يكون متعلقه ذا مصلحة.
الثاني : ان إيجاب العمل على طبق الأمارة كثيرا ما يفوّت مصلحة الواقع على المكلف ، لكثرة خطاء الأمارة ، وعليه فلا بد ان يكون مؤداها مشتملا على مصلحة تجبر بها فوات مصلحة الواقع.
إذا عرفت هذا فاعلم ان سرّ الفرق يرجع إلى كون الوجه في الالتزام بالسببية هو الأول.
وذلك : لأن الأمارة القائمة على الموضوع أو المتعلق مرجعها إلى بيان كون الأمر الواقعي متعلقه كذا ، والأمر بالإتيان بهذا المتعلق ، ومقتضى ذلك ثبوت المصلحة الباعثة للأمر الواقعي في ما هو مؤدّى الأمارة ـ كالصلاة بدون السورة مثلا ـ ، فيكون امتثاله سببا للاجزاء لاستيفاء مصلحة الأمر الواقعي وصيرورته بعد العمل بلا ملاك فيسقط ، ولا يمكن ان يتعلق بنفسه بالمتعلق الواقعي لتعلقه واقعا بما هو مؤدى الأمارة لثبوت الملاك فيه ، وهو لا يتعلق واقعا بأمرين. وأما الأمارة القائمة على الحكم ، كالأمارة القائمة على وجوب الجمعة ، فهي لا تنفي وجوب صلاة الظهر واقعا ، لأن غاية ما تتكفله احداث مصلحة في وجوب الجمعة ، فيكون وجوبها واقعيا ، وهو لا ينافي وجوب الظهر ، لأن مفاد الأمارة وجوب هذا العمل ، ولا تتكفل نفي وجوب غيره فيبقى وجوب غيره على ما هو عليه من المصلحة. ولا تفي مصلحة مؤدى الأمارة بها لأنها مصلحة أخرى