والحقيقة إن هؤلاء لقصورهم وقعوا في التقصير الذي أدّى إلى النكير على المعروف الذي أقام عليه رؤساء المذهب بإشارة من أئمة الدين من آل محمد عليهمالسلام.
فإن من يرجع إلى تراث أهل البيت عليهمالسلام يجد العناية الخاصة منهم بالحلال والحرام ما لا يجده في غيره بهذا المستوى.
صحيح أنهم أمروا ـ كما أمر القرآن الكريم ـ بالتفقّه في الدين وهو أعمّ من علم الحلال والحرام الذي هو الفقه بالمعنى الأخص لكنّهم ـ على كلّ حال ـ ركّزوا على الفقه بالمعنى الأخصّ أكثر من تركيزهم عليه بالمعنى الأعمّ ، وهذا واضح لمن أمعن في النظر وأجال البصر في روايات مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام (١) وقد أشادوا بفقهاء أصحابهم أكثر من تشييدهم بمتكلّمي الأصحاب ومفسّريهم و .... حتى أنّهم أرجعوا الطائفة إليهم وجعلوهم أمناء الله ورسوله على الحلال والحرام.
ألم تسمع قوله صلوات الله عليه : « أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لو لا هؤلاء إنقطعت آثار النبوّة واندرست » (٢) وكذا قوله عليه الصلاة والسلام : « أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة ... » (٣) إلى غير ذلك من كثير في هذا المضمار.
على أنّ الباحث إذا لم يبلغ مرتبة الفقاهة ـ التي يشترط فيها إتقان جميع المقدّمات التي لها نوع من المدخليّة الرئيسيّة في استنباط الحكم الفقهي ، بل البلوغ إلى الإجتهاد في كلّ صنعة منها كما عليه بعض مشائخنا الأعاظم أعلى الله تعالى مقامه الشريف (٤) ـ كيف
__________________
(١) أنظر على سبيل المثال الخبر ٩ و ١٠ و ١٢ و ١٣ و ١٤ و ١٦ و ١٧ و ١٨ و ١٩ من الباب ٦ من أبواب العلم وآدابه من المجلّد الأوّل من بحار الأنوار وكذلك الخبر ٧ و ٢٤ و ٥٨ من الباب الأوّل من الأبواب المزبورة من المجلّد المذكور من البحار.
(٢) إختيار معرفة الرجال : ١٧٠ ـ ح ٢٨٦.
(٣) المصدر السابق : ٢٣٨ ـ ح ٤٣٢.
(٤) الفقيه المتضلّع الرّاحل السيّد الأستاذ الأعظم السيّد محمّد على الموسوي الأبطحي قدسسره المتوفّى ١٣ رجب ١٤٢٣ ه.