يمكنه الغور في مثل التفسير والسيرة والتاريخ والحديث والرجال والفلسفة والكلام والمعارف الإلهيّة؟!!
لا أقول : لا يستطيع ، فهذا شيء لا يتفوّه به من له حظ من العلم ولكنّي أقول : غير الفقيه ـ بالمعنى الذي ذكرناه ـ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه ، والمصنّفات بين يديك فلاحظ وانصف ولا تعجل.
وكيف كان : فإن أقرب المقدّمات إليه هو أصوله التي عليها يقوم وإليها يستند ومن هنا جاء في تعريفه المدرسي المشهور : انه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الحكم الشرعي الكلّي من أدلته التفصيليّة.
والأصول ـ كما قال بعض الأعاظم المؤسّسين في هذا الفن ـ ليس فنّا مستقلاّ ، بل إنّما هو مقدمة جامعة لمسائل شتّى يذكر فيها كثير ممّا اتّضح في سائر الفنون تذكارا وبعض ما لم يتكفّل ببيانه فنّ ، كما يذكر فيها بعض الأمور إستطرادا (١).
هذا إذا نظرنا إليه كقواعد وأبحاث مدوّنة في كتب الأصحاب وأمّا إذا لوحظ كآلة فعليّة أو فنّ تطبيقي يمارسه الفقيه الأصولي كلّ يوم في استنباطاته فهو كما قال المحقّق الخراساني قدسسره حيث عبّر عنه بالصّناعة في مقام تعريفه في مطلع كفايته ، ولا يكون صناعة حتى يكون ملكة طوع يد الفقيه ، وإلاّ فإن القواعد المرقومة على الدفاتر ليست إلاّ حاكية عن تلك الصّناعة ولا أثر عملي يترتّب عليها ما لم تبلغ إلى حدّ الملكة الفعليّة اللهم إلاّ التذكار بها والتعريف عنها.
ومن هنا كانت الإشارة اللطيفة والنّفيسة في الوقت نفسه في تعريف الآخوند الخراساني لم تسطر في مسفورات السابقين ولم يلتفت إلى حقيقتها في زبر الّلاحقين حتّى كثرت المناقشات عليه في المقام وبلغ إلى الحدّ الذي قال عنه بعض الأجلّة قدسسره : انّه
__________________
(١) محجّة العلماء : ١ / ٢٠.