فكشف السّتر عن بعض معالم النّبوّة ومآثر الرّسالة وسارت بعلومه الرّكبان فأحيى النّفوس وجدّد الطقوس على ما جاءت به النواميس الإلهيّة ، فأسفر الحقّ عن محضه واندحض الباطل من أصله ، وبان الحابل من النّابل لأهله ، وعلى ذلك جرت شيعته من بعده متمسّكة بخلفه الطّاهر صاحب سؤدده ومجده الإمام جعفر الصّادق صلوات الله تعالى عليه ، فساروا على هديه ورشده ، ولمّا أتيح لهم مجال التدوين كتبوا في الفنون المختلفة من فقه وأصول وتفسير وحديث ورجال وفهارس وسيرة وتاريخ وكلام ولغة وأدب وشعر وغيره ، فكانوا هم السابقون إلى كلّ فضيلة.
دفع وهم
ومن الشطط : القول بان الشافعي هو أوّل من أسّس الأصول وأرسى قواعده ، أو هو أوّل من ألّف في الموضوع كتابا جامعا يضمّ أبحاثه المتفرّقة ويجمع شوارده.
ذلك لأن أصول الفقه يختلف من طائفة إلى أخرى ؛ لاختلاف فقه المذاهب الإسلاميّة بطبيعة الحال ، نعم ، إن أصول الفقه الإسلامي طالما تكون له مصادر مشتركة فلا بد أن تكون له أصول مشتركة أيضا.
ولا بد ان يعقد البحث في خصوص المشتركات العامّة فحسب ، وأمّا الإختصاصات الطائفيّة فلها حسابها الخاص ، كما انه لا بد من أن يعلم بان المذاهب الإسلاميّة التي عليها الجمهور أيضا لها مشتركات لا تمّت إلى الفقه الإمامي بصلة أبدا ، وذلك لاعتزال الجمهور عن تعاليم مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام واختصاصهم بمدرسة الصحابة ، وإذا عرفت ذلك تبيّن لك ان الإماميّة هم المؤسّسون في مشتركات الأصول العامّة على الإطلاق وهم السبّاق في التدوين أيضا.
وعليه : فإن الشافعي ـ وقد سبقه الثاني في وضع القياس تبعا لسلفه الذي قاس الطين بالنّار ـ هو أوّل من كتب في مشتركات أصول مدرسة الصحابة فحسب ، وهو ـ مع الفارق الجوهري بين الأصولين ، متأخّر في هذه الحلبة عن الإماميّين بمراحل كما هو غير