احتوت كل تعاليم الدين وظلّت تواكب تطوّر العلوم والآداب على مرّ العصور حتّى يومنا هذا ، وإن تخلّفت نسبيا في العصور الأخيرة عن هذه المواكبة لما أصيب المسلمون من ظلم أدّى إلى تخلّفهم.
ومن جانب آخر ، بعث الله نبيّه الأكرم صلىاللهعليهوآله في أمّة تعتزّ ببيانها وتباهي بفصاحتها ، فأيّده سبحانه بالقرآن الكريم ، فبهرهم حسنه وتحدّاهم أن يأتوا بمثله ولو بسورة واحدة. وأيّده بمعجزة أخرى هي بلاغة لسانه وقوّة بيانه. كما ترك الحديث النبوي الشريف بصمات واضحة على اللغة العربية والأدب ، وإن كان لا يصل مبلغ القرآن الكريم في التّأثير ، فهو إلى جانب القرآن ساعد على حفظ اللغة العربية وصيانتها وتوسيع مادّتها اللّغوية ، وعلى مرّ العصور بذلت جهود واسعة لجمع الحديث وشرحه ودراسته وحفظه.
وعلى أية حال ، فما يزال الحديث النبوي حتّى يومنا هذا منهلا فيّاضا للأدباء والعلماء ، ويكفي أن يكون بين خرّيجى هذه المدرسة النبوية البلاغية الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام الذين كان رجلا مثاليا في هذا المضمار وغدا كتاب « نهج البلاغة » خير شاهد على ذلك.
لماذا ندرس اللغة العربيّة؟
سؤال قد يتبادر إلى أذهان طلّاب اللغة العربيّة ، من غير العرب. والذي يثير هذا التساؤل ما يرونه اليوم ـ مع الأسف ـ من تخلّف العالم العربي عن ركب التقدّم العلمي الملحوظ في العالم الغربي.
وهناك دون شك دافع آخر لهذا التساؤل ، هو الحالة النفسيّة التي خلقتها العصبيّات العنصرية والقومية بين المسلمين ، لأنه حين ارتفعت نعرات هذه العصبيات راحت كلّ قومية في العالم الاسلامي تستهين بالقوميات الأخرى وتتعصّب ضدّها ، فقامت الحواجز النفسية بين أبناء الأمّة الاسلامية ، ممّا أضعف الروح الإسلامية ومزّق العالم الإسلامي وأذهب ريح المسلمين. وفي هذه الضجّة المفتعلة من العصبيات خسرت كلّ اللغات الإسلامية عاملا هامّا من عوامل تطوّرها وهو عامل التفاعل فيما بينها ، واتّجهت هذه اللغات إلى سدّ ثغراتها بعناصر أجنبية بعيدة عن طبيعتها ، مستمدّة من اللغات الأوربيّة. وكانت خسارة اللغة العربية أشدّ ، لانّها تحوّلت إلى لغة قوميّة بعد أن كانت لغة إسلاميّة
عالميّة. وسعى دعاة التفرقة إلى تجريد اللغات الإسلامية من تعابير العربية وكلماتها بل حتّى من حروفها ، و