فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) (١) ، ( لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ) (٢). وكما يقال : « هذا أمر عظيم » ، والأصل في الاستعمال الحقيقة (٣).
وقد بالغ المرتضى في مواضع من الذريعة (٤) وسائر كتبه في أنّ الأصل في مطلق الاستعمال الحقيقة ، وبنى عليه الحكم في جميع ما يتفرّع عليه من المسائل.
وقد بيّنّا فيما تقدّم (٥) أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، فيمكن أن يكون الاستعمال فيما ذكر مجازا ، بل هو متعيّن ؛ لأنّه أولى من الاشتراك. على أنّه لو سلّم دلالة الاستعمال على الحقيقة ؛ فإنّما هو إذا تجرّد عن القرينة ، والقرينة على إرادة الفعل فيما ذكر موجودة. ولو منعت ، منع كون الفعل فيه مرادا ، بل يدّعى إرادة غير الفعل من القول أو غيره.
واحتجّ القائل بالتواطؤ بأنّه يستعمل فيهما ، فيجب جعله للقدر المشترك بينهما ؛ دفعا للاشتراك والمجاز ؛ فإنّ كليهما لإخلالهما بالتفاهم محذوران ، مخالفان (٦) للأصل (٧).
والجواب : أنّ ذلك لو لم يدلّ دليل على خلافه ، وإلاّ لزم رفع الاشتراك والمجاز رأسا ، وهنا دلّ الدليل على خلافه ، حيث بيّنّا أنّه يفهم القول المخصوص منه عند إطلاقه ، والعامّ لا يدلّ على الخاصّ.
واجيب عنه أيضا بأنّه قول حادث يرفع المجمع عليه ، وهو كونه حقيقة في القول المخصوص بخصوصه ، فيجب ردّه.
والظاهر أنّ المجمع عليه هو كونه حقيقة في القول المخصوص ، أعمّ من أن يكون بخصوصه ، أو في ضمن القدر المشترك بينه وبين غيره (٨).
واحتجّ البصري بأنّه كما يطلق على القول والفعل ، يطلق على الشيء والصفة ، والطريقة
__________________
(١) هود (١١) : ٩٧.
(٢) إبراهيم (١٤) : ٣٢.
(٣) حكاه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٢٧ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٣.
(٤) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٢٨ و ٣٨ و ٣٩ ، ولم نعثر عليه في سائر كتبه.
(٥) راجع ص ٥٩٣.
(٦) كذا في النسختين. والأولى بل الصحيح : محذور مخالف ؛ فإنّ خبر « كلا » و « كلتا » في جميع الحالات مفرد.
(٧) تقدّم ذكره في ص ٥٩٣.
(٨) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٤٩.