وإن كان هو الطلب والصيغة المخصوصة وسيلة إليه ، إلاّ أنّ الأمر هو الوسيلة ؛ لما ذكر ، والمقصود مدلوله.
والحقّ أنّه عين الإرادة ؛ لعدم تعقّل الزائد عليها منه ، ولا يعقل وضع اللفظ الظاهر لمعنى غير معقول (١).
فما ذهب إليه الأشعري من أنّ الطلب مغاير للإرادة (٢) باطل.
واحتجاجه عليه بأنّه تعالى أمر الكافر الذي علم منه عدم الطاعة بها ولم يردها منه ؛ نظرا إلى استحالة صدورها عنه ؛ لامتناع انقلاب علمه جهلا ، والطلب إمّا نفس الأمر ، أو لازم له. وبأنّه قد يطلب ما لا يراد امتحانا (٣).
مندفع بمنع عدم الإرادة في الأوّل. وتعليله عليل ؛ لأنّ العلم ليس علّة. ومنع الطلب في الثاني ؛ فإنّ الصيغة الشخصيّة إذا تجرّدت عن الإرادة لا تدلّ على الطلب ، ولا تكون حينئذ أمرا حقيقة ، بل تكون مستعملة في غير ما وضعت له ، كما إذا استعملت في الخبر أو غيره ، بل يتوقّف كونها أمرا على إرادة المأمور به منها.
ويظهر من هذا أنّ ما قيل : إنّ إرادة المأمور به مؤثّرة في كون الصيغة أمرا (٤) صحيح ، والمراد به ما قلناه.
والتحقيق ، أنّ وضع الصيغة للطلب يكفي في دلالتها عليه ، كسائر الألفاظ الموضوعة لمعانيها ، ولا يفتقر إلى إرادة اخرى كما قيل (٥) ، وإلاّ لزم الافتقار إليها فيها أيضا ، وهو باطل.
واحتجّ الخصم بأنّها تدلّ على التهديد كما تدلّ على الطلب ، فلا بدّ من مميّز ، ولا مميّز غير الإرادة (٦).
والجواب : أنّه يستقيم لو كانت حقيقة في التهديد وليس كذلك ، بل دلالتها عليه
__________________
(١) في « ب » : « الظاهر المعنى غير معقول ».
(٢) قاله الرازي في المحصول ٢ : ٢.
(٣) المصدر : ١٩.
(٤) حكاه الرازي عن أبي علي وأبي هاشم في المحصول ٢ : ٢٩.
(٥) حكاه الرازي عن الكعبي في المحصول ٢ : ٢٨.
(٦) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٢ : ٢٩.