فما اورد عليه في بحث العمل بالأخبار يمكن أن يورد عليه هنا أيضا. والجواب الجواب ، على أنّ المرتضى نقل إجماع الإماميّة على أنّها للوجوب شرعا (١).
ومنها : ذمّ العقلاء العبد بترك الامتثال بعد قول سيّده : « افعل » مع فقد قرائن الوجوب. والأوّل وإن لم يثبت سوى الحقيقة الشرعيّة ، والثاني سوى العرفيّة ، إلاّ أنّ كلاّ منهما إذا ضمّ إليه أصالة عدم النقل ، ينتهض بإثبات الحقائق الثلاث (٢).
وما قيل : إنّها لا تثبت الحقيقة اللغويّة ؛ لجواز أن يكون الصيغة في اللغة حقيقة في الطلب أو الندب ، واستعملت في الوجوب مجازا حتّى اشتهرت فيه عند الشرع والعرف ، فصارت حقيقة شرعيّة وعرفيّة فيه ، فأصالة عدم النقل باقية بحالها مع عدم الوضع (٣).
يرد عليه : أنّ هذا (٤) أيضا نوع نقل ، فالأصل عدمه ، سواء كان المستعمل هو الواضع أو غيره من الشرع والعرف ؛ لأنّ (٥) استعمال لفظ في معنى مجازا مع القرينة أو بدونها إلى أن يصير حقيقة فيه ، يستلزم انتقاله من المعنى الحقيقي إليه وإن لم يصرّح بالنقل ، فأصالة عدم النقل تدفعه أيضا.
ولا يفتقر (٦) إلى التمسّك بأصالة عدم التجوّز ، مع أنّه غير صحيح ؛ لأنّه إنّما يصحّ في موضع اطلق لفظ له معنى حقيقي ومجازي ، ولم يعلم أنّ المستعمل أيّهما أراد ، فيحمل على الحقيقي لأصالة عدم التجوّز. وأمّا إذا استعمل لفظ في معنى لم يعلم كونه حقيقة فيه أو مجازا ، بل احتملهما (٧) ، فلا يحكم بكونه حقيقة فيه لأصالة (٨) الحقيقة وعدم التجوّز ، بل يجب التوقّف حينئذ ، كما تقدّم (٩) من أنّه الحقّ المشهور ، والمخالف فيه السيّد (١٠).
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٥٥.
(٢) هي اللغويّة والعرفيّة والشرعيّة.
(٣) حكاه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٥٢ ـ ٥٥ باختلاف. والمراد بعدم الوضع عدم الوضع الشرعي والعرفي.
(٤) أي الاستعمال المجازي في الوجوب شرعا وعرفا.
(٥) في « ب » : « فإنّ ».
(٦) أي إثبات الحقيقة اللغويّة.
(٧) أي كلّ واحد منهما وحده.
(٨) قيد للمنفيّ لا للنفي.
(٩) في ص ٥٩٣.
(١٠) الذريعة ١ : ٥١.