على الذمّ ، ولو لا أنّ صيغة « ( اسْجُدُوا ) » للوجوب لما كان متوجّها ، وكان له أن يقول : « لم تذمّني على ترك ما لم توجبه عليّ؟ » ، وسوق الآية وأصالة العدم يفيدان ترتّب الذمّ على مجرّد مخالفة الأمر من غير مدخليّة خصوصيّة المادّة والامور الخارجيّة ، فلا يرد جواز إفادة صيغة الأمر للوجوب في هذه المادّة دون غيرها ، أو في تلك اللغة دون لغتنا ، ولا منع دلالته على العموم ؛ نظرا إلى أنّه حكاية حال وهي لا تفيد العموم. على أنّه لو ثبت كون هذه الصيغة حقيقة في الوجوب ، ثبت كون جميع صيغ الأمر كذلك ؛ لعدم القول بالفصل. ولا جواز (١) ترتّب الذمّ على المخالفة مع الاستكبار.
ومنها : قوله : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ )(٢) أمر مخالف الأمر بالحذر ، وهذا الأمر للوجوب قطعا ؛ إذ لا معنى لندب الحذر أو إباحته. على أنّ سوق الآية ـ لورودها في معرض الوعيد ـ دلّ على وجوب الحذر ، وإيجاب الحذر عليه تهديد على مخالفة الأمر ، وهو يدلّ على أنّ الأمر للوجوب ؛ إذ لا تهديد على غير الواجب. ومع التنزّل فلا أقلّ من دلالته على حسن الحذر ، وهو دليل قيام المقتضي للعذاب ؛ إذ بدونه لا يحسن الحذر ، ولذا يلام من يحذر عن سقوط جدار محكم لا يريد أن ينقضّ ، ومعه يثبت أنّ الأمر للوجوب ؛ إذ المقتضي للعذاب هو ترك الواجب لا المندوب.
وعلى التقادير يندفع ما يقال : لا نسلّم دلالة الصيغة على وجوب الحذر إلاّ إذا ثبت أنّ الأمر للوجوب ، وهو عين المتنازع فيه (٣).
ثمّ المتبادر من مخالفة الأمر هو ترك المأمور به ، سواء اعتبرت متضمّنة معنى الإعراض أو غيره ممّا يناسب التعدية بـ « عن » ، فلا يرد أنّ المراد بها حمله (٤) على ما يخالفه ـ بأن يكون للوجوب أو الندب ، فيحمل على غيره ـ أو اعتقاد (٥) فساده ؛ لأنّها
__________________
(١) عطف على « جواز إفادة » والمراد أنّه قيل : يجوز أن يكون الذمّ على المخالفة الصادرة عن الاستكبار وكلامنا في المخالفة المحضة. أجاب بأنّه لا يجوز أن يقال هكذا.
(٢) النور (٢٤) : ٦٣.
(٣) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٦٩.
(٤) أي حمل المكلّف الأمر على معنى يخالف الأمر ، أو اعتقد فساد الأمر وعدم كونه حقّا.
(٥) عطف على الموصول المجرور.