وكان القاضى ، كما يظهر من هذا العهد ، مثال العدل والورع فى أحكامه ، فقد جاء فى أسباب إضافة جرجان وطبرستان إلى أعماله : أن أمير المؤمنين « ألفاه الكافى فيما استكفاه ، الوافى بما قلده واسترعاه. قد نهض من قضاء قضاته ، بما أحمد فيه رضىّ مسعاته. مؤديا حق الله فى الأخذ بالعدل ، والحكم بالفصل.
والقضاء بموجب الدين ومقتضاه ، والإمضاء على سنن الشرع ومفضاه. لا يميل به هواه عند الارتياد ، ولا يختلف مغزاه فى الاعتبار والاجتهاد. الورع مركبه وسبيله ، والحق مقصده ودليله. قد ضربت بحسن مذهبه الأمثال ، وشدّت إلى اقتباس علمه الرجال ... »
ثم بعد أن ذكر البلاد المضافة إليه ، قال : « ممتعا رعية هذه البلاد بكفايته ، قاسما لهم حظوظهم من رعيته ودرايته. فأولى الولاة من جمع فيه الحلم والحجى ، وأكفى الكفاة من أجمع عليه فى العلم والتقى (١).
ولم يكن الوزير الصاحب يخفى إعجابه الشديد بكفاءة القاضى وعلمه وفضله ، فكان يقول فيه : إنه « أفضل أهل الأرض » ، « وأعلم أهل الأرض » (٢).
ويذكر الحاكم فى طبقات المعتزلة أن القاضى بقى فى الرى ، بعد أن استدعاه إليها الصاحب ، مواظبا على التدريس إلى أن توفى. وهذا يدل على أن
__________________
(١) انظر رسائل الصاحب ، المرجع السابق ، نفس الصفحة.
(٢) انظر طبقات المعتزلة ، ص : ١١٢ ، وانظر رسائل الصاحب ، فى مواضع متفرقة ، يظهر فيها أثر هذا الاعجاب ، حيث يخاطبه بقوله ( قاضى القضاة الأجل ) ويقول فيه ( أقضى القضاة ) ويتبع لقبه : قاضي القضاة ، بالدعاء له بدوام التأييد والعز والبقاء ، ويقول كذلك : ( وما بينى وبين قاضى القضاة يكبر عن الشكر ، لا بل عن إجراء الذكر ) انظر الرسائل الصفحات : ١٣٩ ، ١٨٣ ، ١٨٩.