على أن ورع القاضى فى تطبيق مذهبه فى هذا المقام مما يصعب تبريره فى مواجهة العامة ، حتى طعنوا على القاضى فى قلة الوفاء (١) ـ كما رأينا ـ كما أنه كان أبعد ما يكون عن اعتبارات الولاء والصداقة والسياسة جميعا. وربما لم يكن له ما يبرره ـ فى الواقع ـ فى مذهب القاضى نفسه إذا صح ما تنسبه بعض المصادر إلى الصاحب من أن الكبيرة التى ارتكبها ، والتى لم يعلم له القاضى توبة منها ، كانت شرب النبيذ (٢)!.
على أن القاضى ، رحمهالله ، قد رمى من بعض خصومه بأنه لم يكن محمودا فى القضاء ـ وهذا ما ينفيه عهد أمير المؤمنين الذى أشرنا إليه ـ كما أن التوحيدى ، لسبب ما ، انفرد بإفحاش القول فيه ، حتى إنه لم يجد ما يعبر به عن استدعاء الصاحب له واعجابه به ، غير قوله : « واتصل بابن عباد فراج عليه لحسن سمته ولزوم ناموسه! » وقبل أن يسترسل فى ذم الكلام وأهله ويتوسع فى ذلك ، قال فى القاضى : « وولى القضاء ، وحصّل المال حتى ضاهى قارون فى سعة المال ؛ وهو مع ذلك نغل (٣) الباطن ، خبيث المعتقد ، قليل اليقين » (٤).
ولقد علم أبو حيان ـ وكان حريا به الا يفرغ ما فى نفسه على القاضى ـ أنه لم يصدق القول فى الرجل ، لأنه لا سبيل له إلى الاطلاع على باطنه ، حتى يقول فيه إنه كان خبيث المعتقد أو قليل اليقين!! ولأن الذى يدل عليه ظاهره ـ فيما كتب
__________________
(١) انظر معجم الأدباء لياقوت : ٦ / ٢٩٩.
(٢) راجع مذاهب التفسير الإسلامى لجولد زهير ، ترجمة الدكتور النجار رحمهالله ص ١٩٠.
(٣) نغلت نيته : ساءت ، ونغل قلبه علىّ : ضغن. انظر أقرب الموارد ص ١٣٢٤.
(٤) راجع لسان الميزان لابن حجر : ٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧.