وثالثا : أن المسلمين كانوا قد عرفوا القرآن وحفظوه ، فكانوا لا يمسونه بدون طهارة ، لقوله تعالى : ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (١) ، وكانوا يتهادون آياته ويرتلونها آناء الليل وأطراف النهار.
فلو كانت عنايتهم بالقرآن إلى هذا الحد ، فهل يمكن التخوف عليه واحتمال اختلاطه بالسنة ؟!
والآن لنطرح سؤالاً طالما سمعناه من الأعلام في كلماتهم وأقوالهم ، إذ قال ابن حزم وغيره : ( وهذا ما لا يحل لمسلم أن يظنه بمن دون عمر من عامة المسلمين فكيف يعمر ... ).
واستبعد آخرون هذا الأمر كذلك وضعفوا تلك الأخبار ، لعدم إمكان تطابقها مع مقام الخليفة.
والآن لنبحث عن إمكان تطابق هذا الخبر معه أولا ، وهل أن منع تدوين الحديث هو نبوي أم جاء من قبل الخلفاء لظروف مرّوا بها ؟! وأن هذا المنع يتجانس مع أيّ الاتجاهين ؟!
للاجابة عن هذا السؤال وغيره لابد من تقديم مقدمة ، وهي : أنا نعلم بأن البحث الاسنادي لا يكفي وحده في الدراسات ، بل يلزم دراسة المتن معه كذلك ، لأن الأسانيد قد خضعت للاهواء ، فترى ابن
__________________
(١) الواقعة : ٧٩.