تبقى هذه الوثائق بيدهم لئلاّ تكون عليه أُمور لا يَحْمَدُ عقباها.
ولأنَّ المدوَّن المكتوب في الصدر الأوّل وبقلم صحابيّ له من القيمة ما يجعله قادراً على نقض رأي الخليفة ، بخلاف التحديث إذ يمكن معارضة الحديث بحديث آخر يوضع في الآن وعلى البديهة ، أمّا المدوّنة فلا يمكن رسم بديلها على البديهة ، ولأجله نراهم يسمحون بالتحديث ويمنعون التدوين !
واحتمل بعض الكتّاب أن يكون السماح بالتحديث والمنع من التدوين جاء لاعتقاد فرقة من اليهود بالكتابة ؛ خلافاً لأخرى داعية إلى الحفظ.
وبما أنَّ كعب الأحبار ووهب بن منبّه كانا ممّن يستشيرهم الخليفة عمر ، فمن المحتمل أن يكون قد تأثّر برأيهما في السماح بالتحديث والمنع من التدوين ، لأنّه كان يحتاج إلى تحديد بعض النقول عن رسول الله ، والتفكيك بينهما خير علاج للقضيّة ، فجاء عن عمر أنّه سأل كعب الأخبار عن الشعر فأجابه : بأنَّ قوماً من ولد إسماعيل أناجيلهم في صدورهم ينطقون بالحكمة (١) ، وفي آخر عن وهب أنّه قال : إنَّ موسى قال : يا ربّ ! إنّي أجد في التوراة أُمّة أناجيلهم في
__________________
(١) العمدة في معرفة صناعة الشعر لابن رشيق ١ : ٢٥.