من ثم إلى العروق وسائر البدن ويسكن العطش إذا مزج بالماء ومن أراد به تسكين العطش لا غير فليصب عليه من الماء بقدر ما يخفي طعمه كله ثم يشرب فيسكن العطش ويبعد الماء ولا يسخن ألبتة ويخصب البدن متى شرب على أغذية كثيرة الإغذاء ويحسن اللون ويدفع الفضول جميعاً ويسهل خروجها من البدن بالنجو والبول والعرق والتحلل الخفيّ الذي بالمسام ويخرج الصفراء أيضاً في البول يوماً فيوماً فيمنع أن يكثر كميتها وسوء كيفيتها فهو لذلك عون عظيم على حفظ الصحة إذا شرب على ما ينبغي ويصلح وقتاً وقتاً بالقدر المعتدل الذي تقهره الطبيعة وتستولي عليه ويطيب النوم ويثقله فتستريح لذلك الآلات النفسية راحة أكثر من راحتها عند النوم الذي على غير الشراب فيكون البدن بعد ذلك النوم أقوى والحركات أخف وأسهل والحواس أذكى وألطف والهضم أجود وأبلغ لطول النوم وقلة الحركات فيه ، ومن تركه عن اعتياد له برد بدنه وهاجت به الأمراض السوداوية وقلت وضعفت هضومه كلها والمقدار الذي ينفع منه في هذه الوجوه ثلاث كميات أولها : أن يشرب بعد الطعام بقدر ما يسكن العطش سكوناً تاماً ولا يراد به غير ذلك من تفريح النفس وإطرابها وهذا هو الحد للمحرورين وأصحاب الأبدان الملتهبة جداً ومن يحم بحمى ويحمي جسمه عليه ، والحد الثاني إن أخذ منه إلى أن يبلغ أن يسر النفس ويطربها باعتدال في ذلك من غير ثقل في الرأس والحواس ولا ميل إلى النوم الشديد. فأما ما جاوز ذلك إلى لجلجة اللسان وفقد صحة العقل واضطراب مفاصل البدن وضعفها عن الحركات فإنها حالة السكر وذلك ضار جداً في وجوه كثيرة ولا سيما إذا ترادفت وتواترت وقد ينفع إذا لم يواتر لكن وقع أن يكون في الشهر مرة أو مرتين أكثر فإنه في هذه الحالة يسخن البدن ويرطبه ويرقق أخلاطه ويفتح مجاريه ويحلل كل ما قد بدأ ينعقد ويجتمع فيه من فضولات رديئة ثم يخرجها بعد بالمجاري والمنافس ولا سيما إن شرب من غير هذا اليوم الماء فإن هذا الماء في هذه الحال يجيء إلى جميع ما حلله الشراب ورققه فيجريه ويدفعه ويسهل خروجه ويجيء إلى ما قد سخن من الأعضاء بالشراب فيبرده ويعيده إلى اعتداله ولذلك هو أجود من جميع الأشياء في حفظ الصحة أن يجعل بعد يوم شرب الشراب يوماً أن يشرب الماء يومين أو ثلاثة ، وما كانت دون ذلك فمبقدار مزاجها حتى يكون ذلك يوماً ويوماً. وأما مواترة السكر وشربه على الخمار ومداومته ومواترته فجالب للأمراض المهلكة وإن بقي البدن على هذه الحال كثير بقاء حتى يقع في الأمراض الرديئة كالصداع والفالج والرعشة والأمراض الحاثة ويورم الأحشاء لا سيما الكبد والدبيلات والجراحات وفساد العقل وكدر الحواس وضعف الحركات وترهل البدن وذهاب شهوة الطعام ، وهو يختلف في أفعاله هذه بحسب اختلاف أنواعه والأسود الغليظ الحلو منه أكثرها إغذاء وتوليداً للدم الغليظ الأسود وشرها لمن يعتريه الإمتلاء والأعراض السوداوية وخيرها للمنهوكين ولمن يريد أن يزيد في لحمه والأبيض الرقيق أقلها إغذاء وأوقعها للمحرورين فإن الشراب له مع إسخان البدن أن يخرج الصفراء التي تتولد قليلاً قليلاً في البول كما ذكرنا قبل فيدفع كون الأمراض المرارية ولا سيما مثل هذا الشراب فإنه لا يسخن كثير إسخان ويدر البول إدراراً كثيراً ، والأحمر المعتدل في غلظ ورقته أعدل الشراب وهو يولد دماً جيداً ، وأما الأصفر القوي الطعم جداً فإنه يسخن إِسخاناً قوياً