لكن نضرب لك مثالا واحدا يلمسك الحقيقة باليد ، وهو أن لجمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر ، المشتهر بالعلامة الحلي ـ قدس الله روحه ـ كتابا سماه تذكرة الفقهاء ، وهو كتاب كريم كبير جدا في الفقه المقارن الاستدلالي ـ أعني الفقه على المذاهب الخمسة : الجعفري ، والحنبلي ، والحنفي ، والمالكي ، والشافعي وكان وافيا ببغية من جنح إلى الاطلاع على موارد الخلاف بين المذاهب ، وطبع مرة بالطبع الحجري على صوره مشوهة لا يرغب فيها دون أي تحقيق أو تصحيح ولم يقم أحد من العلماء إلى الان بتنميقه وترويجه فلذا ترك كأمثاله مجهولا مع شدة الحاجة إليه ، كرت عليه الأعوام والقرون وأهل العلم عنه منصرفون وكان نتيجة ذلك : تسرع الطلاب إلى اقتناء نسخ كتاب « الفقه على المذاهب الأربع » مع أنه لا يوفي بالغرض المقصود وهو صرف نقل الفتاوي كما هو المشهود وتجافى نفوس المحققين عن الطمأنينة إليه والثقة به فهو كالجدول الصغير ، وهيهات بين النهر الكبير والجدول الصغير ، نسأل الله تعالى أن يقيض رجالا للعناية بشأنه والقيام بطبعه ونشره ليستضئ الجيل الغابر بنوره كما تعطر الماضي بعبيره.
وهذا واحد من مئات بل ألوف ، علمه من كان ذا اطلاع ووقوف ، أيقظنا الله من هذه الغفلة العجيبة التي استحوذت على قلوبنا وتلك النومة العميقة التي استولت على مشاعرنا ، ونعتذر إلى القراء الكرام في هذا المقام إذ خرجت عن موضوع الكلام ، فتلك شقشقة هدرت ، وكلمة صدرت.
توفي ـ رحمهالله ـ بالري سنة ٣٨١ الهجري القمري في العشر الثامن من عمره و قبره بالري في بستان عظيم ، بالقرب من قبر سيدنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني ـ رضياللهعنه ـ وهو اليوم مشهور يزار ، له قبة عالية وقد جدد عمارتها السلطان فتح علي شاه قاجار ١٢٣٨ تقريبا بعد ما ظهرت كرامة شاع ذكرها في الناس وثبتت للسلطان وأمرائه وأركان دولته ، ذكر تفصيلها جمع من الأعاظم كالخوانساري في الروضات ،