إنه ساحر كذّاب .. أبتر سيموت ويموت ذكره .. فليس له ولد.
شعر بسكين حادّة تغوص في قلبه وهو يتذكّر سخريتهم منه .. ينادونه بالأبتر. النبي يفكّر في قومه حزيناً حزن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم. آخر الأنبياء يفكّر غير ملتفت لما يجري حوله.
تكهرب الفضاء .. غلالة شفافة كالضباب تملأ المكان .. وقد غمر الصمت جميع الأشياء .. اختفت الأصوات .. تلاشت ولم يعد « محمّد » يسمع شيئاً سوى كلمات .. تنفذ في اعماقه نفوذ النور في المياه الرائقة ..
كلمات مؤثّرة عميقة جفّ لها ريقه .. تصبب لها جبينه .. فبدا كحبّات لؤلؤ منثور .. الكلمات تضيء في أعماقه كالنجوم :
ـ إنّا أعطيناك الكوثر. فصلّ لربّك وانحر. ان شانئك هو الأبتر.
وانقلب الرسول إلى بيته فرحاً .. ولما دخل على زوجته وجدها هي الأخرى فرحة .. تنظر اليه بعينين تفيضان حبّاً .. هتفت بصوت يشوبه اعتذار :
ـ إني وضعتها انثى وليس الذكر كالانثى.
تمتم النبي وهو يحتضن هدية السماء بحب :
ـ إنّا أعطيناك الكوثر .. اسميها فاطمة .. ليفطمها الله من الشرور.