فاطمة تبحث عن أمّها. تسأل أباها الحزين.
ـ أبه أين امي؟
ويجيب الأب المقهور وهو يحتضن ذكراه الغالية :
ـ أمّك في بيت من قصب لا تعب فيه ولا نصب.
تلوذ بالصمت .. تفكّر في أمّها. عيناها تبحثان عن نبع سماوي ولكن دون جدوى.
كبرت فاطمة في زمن الحرمان .. في زمن الحصار .. في زمن اليتم .. في زمن القهر .. لهذا نشأت الطفلة نحيلة القوام كغصن كسير. رسم القهر في عينيها الواسعتين لوحة حزينة منظراً ساكناً يغمره الصمت .. تفكّر .. تنطوي على نفسها في استغراق يشبه صلاة الأنبياء ، نشأت فاطمة في زمن الجدب .. فغدا عودها صلباً ضارباً في الأرض جذوراً بعيدة الغور .. فبدت أكبر من سنّها ونهضت تملأ فراغاً هائلاً أحدثه رحيل والدتها .. نهضت سيّدة صغيرة .. أمّاً رؤوماً لوالدها الذي أضحى وحيداً.
وتمرّ الأيام .. وذات مساء خرج المحاصرون في « الشعب » الى مكّة. عادوا إلى ضجيج الحياة لتبدأ فصول اخرى من تاريخ مثير يزخر بالأحداث منذ الساعة التي التقت فيها السماء بالأرض في غار حراء.