ولو قدّر لأحد كان في « قبا » لرأى رجلاً قد ذرّف على الخمسين ليس بالطويل ولا القصير كان ربعة « وقد جعل الخير كله في الرّبعة »؛ أزهر الوجه ، ناصع البياض مشرباً بحمرة خفيفة لعلّها من أثر الشمس ورياح الصحراء ، رجل الشعر يبلغ شحمة اذنيه ويكاد يلامس منكبيه؛ واسع الجبين ، مقوّس الحاجبين كهلالين ، وكانت عيناه نجلاوين واسعتين؛ اقنى الأنف ، كأنّ أسنانه لؤلؤ منضود فاذا مشى مشى الهوينى متقارب الخطى كزورق ينساب على هون.
وقف النبيّ يتأمل الصحراء المترامية تمسح عيناه الافق البعيد ، ينتظر أحبّة فارقهم في لحظة ليل وقد حاصرته ذئاب مكة.
غمر الليل الصحراء وآب النبي الى مضارب « بني سهم » ، وقد بدا على وجهه حزن كحزن آدم يوم بحث في الأرض عن حوّاء.
وصلت القافلة بسلام ، وخفّ الأب للقاء ابنته ذكراه الغالية من خديجة .. خديجة التي رحلت بعيداً وتركته وحيداً.
عانقت البنت أباها. غرقت في عبير رجل سماويّ ، فاضت عيناها دموعاً ، دموع فرح ودموع رحمة.
ـ يالعذاب محمّد .. يالعذاب الأنبياء.
ربّما دهشت بعض النسوة وهن يتطلعن الى رجل ذرّف على الخمسين يجتاز في لحظة نصف قرن من الزمن ليتحوّل إلى طفل