قلت : وقد يخفى على الذكى الأمور اليسيرة ، وينسى اللبيب الأشياء القليلة ، وليس هذا مدعاة باتهام الذكى بالغباء ولا الحافظ اللبيب بالنسيان والوهم.
لكن يبقى أن هذا فيه رد على كلام السهيلى وغيره. ولم أر أحداً تعرض لكلام اليسع ابن حزم بالرفض والدفاع عن ابن سيده ، غير أن الحافظ ابن حجر ترجم لليسع فى لسان الميزان فقال : « اليسع بن عيسى بن حزم الغافقى أبو يحيى : قد تكلم فى نقله ، ويظهر على عبارته مجازفة ، وله تآليف وأدب وفنون ... وله تصنيف سماه : المغرب فى محاسن المغرب » (١).
ويحسن بنا ويجمل أن نورد كلام ابن سيده نفسه ، حيث قال بعد ثنائه على كتابه المحكم : .. ولا أنكر فى كل ذلك أن تختل قضية بين خمسة آلاف ، أو حرف بين حروف عديدة أضعاف ».
علاقته بالأمراء وأثر ذلك فى مصنفاته :
ذكر الحميدى : أنه كان فى خدمة الموفق مجاهد العامرى ملك دانية (٢).
وكان الموفق مجاهد بن عبد الله ملك الجزر (٣) جليل القدر ، له غزوات فى النصارى فى البحر مشهورة ، ومن أعظم ما فتحه جزيرة سردانية الكبيرة ، وكان محبّا فى العلماء محسناً لهم ، كثير التولع بالمقرئين للكتاب العزيز ، حتى عرف بذلك بلده ، وقصد من كلّ مكان ، وشكر فى الأقطار بكل لسان.
وقد أثنى عليه ابن حيان فى كتاب المتين بهذا الشأن ، وقد وفد عليه أفراد الشعراء كإدريس بن اليمان وجلة العلماء كابن سيده.
قال ابن حيان : جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من نظرائه وأتت إليه العلماء من كل صقع ، فشاع العلم فى حضرته ، حتى فشا فى جواريه وغلمانه (٤).
ولما توفى هذا الأمير اتصل بخلفه ابنه الأمير إقبال الدولة (٥) ، وهو إقبال الدولة على بن
__________________
(١) لسان الميزان ( ٦ / ٣٦٧ ).
(٢) تصحفت فى لسان الميزان : دابية.
(٣) ترجمته فى المغرب ( ٢ / ٤٠١ ) ، والأعلام ( ٥ / ٢٧٨ ).
(٤) نقله د / شوقى ضيف فى تحقيقه للمغرب فى ترجمة الموفق.
(٥) فى دائرة المعارف : « بخلفه الأمير الموفق » وهو وهم. وانظر مقدمة محققى المحكم ص ٦. ط معهد المخطوطات العربية.