تعجب ، نحو ما حكاه سيبويه من أنهم لم يقولوا ما أجْوَبَه! استغنوا عنه بقولهم : ما أحْسَن جوابه! قال : وكذلك لم يقولوا ما أَقْيَلَه من القائلة ، استغناء عنه بقولهم : ما أنْوَمَه فى وقت كذا. وكذلك أذكر صيغة التعجب إذا كانت للفعل الموضوع للمفعول ، دون الفاعل ، فإنّ هذا سماعىّ غير مُطَّرِد ، نحو ما حكاه سيبويه من قولهم : ما أَمْقَتَها وما أشهاها وما أبغَضها! فكلُّ هذا أحافظ على ذكره ، لكونه سماعيًا غير قياسىّ.
ومنه : أنى إذا رأيت صيغة مفعول لا فعل له ، أَشْعرتُ بذلك ، نحو : مُدَرْهَم ، ومَفئود ، أعنى الجَبان ، لا المصاب الفؤاد ، وماء مَعِين فى قول بعضهم. فإن كان له فعل غيرُ متعدّ أعلمت به ، وقلت إنه لم يُصَغ لفظ مفعول منه ، نحو ما حكاه الفارسىّ من قول العرب : دَرْهَمَتِ الخُبَّازَى (١) ، أى صارت على شكل الدرهم.
ومن بديع تلخيصه ، وغريب تخليصه ، أنى أذكر صيغة المذكَّر ، ثم أقول : والأنثى بالهاء ، فلا أعيد الصيغة ، وإن خالفت الصيغةُ أعلَمتُ بخلافها ، إن لم يكن قياسيَّا ، نحو : بِنْت أو أخت.
ومنه : أنى إذا رأيت فعلا لا مصدَر له ، أشعرت بمكانه ، وذلك نحو : يَذَرُ ويَدَع ، فإنى أقول فى مثل هذا : وليس لهذا مصدر. وكذلك إن لم يكن للفِعل ماض أعلمت به أيضا ، وذلك كهذين الفعلين اللذين لا مصدر لهما ، فإنه لا ماضىَ لهما ، فإن كان للفعل مصدر قد عُوّض إياه من غير لفظه ، قلت : لا مصدر له إلا هذا ، نحو ما حكاه سيبَوَيه من قولهم : هو يَدَعه تَرْكا.
ومنه : أنه إذا جاء البناء يدل على المعنى : إما باللزوم ، وإما بالغَلَبة ، قلت : إن هذا لازم ، إن كان لازمًا ، أو غالب إن كان غالبًا ، نحو ما يحكيه سيبويه فى صِيَغ الأفعال كأَفْعَلْتُ بمعانيها ، واسْتَفْعلتُ ، وافْتَعلْتُ ، وفَعَّلْت ، وافْعَوْعَلت ، وأشباه ذلك. وكذلك إذا جاء المصدر قد كثر فى بعض المعانى أعلمت بكثرته ، نحو القوانين التى حكاها سيبويه فى أوّل باب من المصادر.
ومن ذلك أن أفرِّق بين الفِعل المنقلب عن الفِعْل ، وبين الفعل الذى هو لُغَة فى الفِعْل ، وليس بمنقلب عنه ، بوجود المصدر وعَدَمه ، كجَذَب وجَبَذ ، فإنهما لغتان ، لأن لكل واحد منهما مصدرًا ، وأما يَئِس وأَيِس فالأخيرة مقلوبة عن الأولى ، لأنه لا مصدر لأَيِس ؛ ولا يُحتجّ بإياسٍ : اسم رجل ، فإنه فِعال من الأَوْس ، وهو العَطاء ، كما يُسَمَّى الرجل عَطِية ،
__________________
(١) الخبازى والخباز : نبت بقلة معروفة ، واحدته خبازة.