خاصة وآثار وخواص مخصوصة بل الكلام في العهد بمعنى ما يعقده الإنسان لغيره من الإعانة أو عدم الممانعة في متفرقات المقاصد الاجتماعية ، وما يجعله لذلك من الآثار كمن يعاهد غيره أن يعطيه كل سنة كذا مالا ليستعين به على حوائجه ، ويأخذ منه كذا مالا أو نفعا ، أو يعاهده أن لا يزاحمه في عمله أو لا يمانعه في مسيره إلى أجل كذا أو لا إلى أجل ، وهو نوع إحكام وإبرام لا ينتقض إلا بنقض أحد الطرفين أو بنقضهما معا.
وربما زيد على إحكام العهد بالحلف وهو أن يقيد المعاهد ما يعطيه من العهد ويربطه بأمر عظيم شأنه يقدسه ويحترمه كأنه يجعل ما له من الحرمة والعزة رهنا يرهن به عهده يمثل به أنه لو نقضه فقد أذهب حرمته يقول المعاهد : والله لا أخوننك ، ولعمري لأساعدنك ، وأقسم لأنصرنك ، يمثل به أنه لو أخلف وعده ونقض عهده فقد أبطل حرمة ربه ، أو حرمة عمره أو حرمة قسمه فلا مروة له.
وربما أبرم العهد والميثاق بالبيعة والصفقة يضع المعاهد يده في يد معاهده يمثل به أنه أعطاه يده التي بها يفعل ما يفعل فلا يفعل ما يكره معاهده لأن يده قبضة يده.
٢ ـ العهود والمواثيق كما تمسها حياة الإنسان الذي هو فرد المجتمع كذلك تمسها حياة المجتمع فليس المجتمع إلا المجتمع من أفراد الإنسان ، حياته مجموع حياة أجزائه ، وأعماله الحيوية مجموع أعمال أجزائه وله من الخير والشر والنفع والضر والصحة والسقم والنشوء والرشد والاستقامة والانحراف والسعادة والشقاوة والبقاء والزوال مجموع ما لأجزائه من ذلك.
فالمجتمع إنسان كبير له من مقاصد الحياة ما للإنسان الصغير ، ونسبة المجتمع إلى المجتمع تقرب من نسبة الإنسان الفرد إلى الإنسان الفرد فهو يحتاج في ركوب مقاصده وإتيان أعماله من الأمن والسلامة إلى مثل ما يحتاج إليه الإنسان الفرد بل الحاجة فيه أشد وأقوى لأن العمل يعظم بعظمة فاعله وعظمة غرضه ، والمجتمع في حاجة إلى الأمن والسلام من قبل أجزائه لئلا يتلاشى ويتفرق ، وإلى الأمن والسلام من قبل رقبائه من سائر المجتمعات.
وعلى هذا جرى ديدن المجتمعات الإنسانية على ما بأيدينا من تاريخ الأمم والأقوام الماضية ، وما نسمعه أو نشاهده من الملل الحاضرة فلم يزل ولا يزال المجتمع من المجتمعات الإنسانية في حاجة قائمة إلى أن يعاهد غيره في بعض شئون حياته السياسية والاقتصادية