والاقتداء بما يميل إليه الأكثرية بعواطفهم وإحساساتهم الباطنة قال تعالى : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ » : الروم : ـ ٣٠ وقال : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ (١) الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » التوبة : ـ ٣٣ ، وقال : « بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ » المؤمنون : ـ ٩٠ ، وقال : « وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ » المؤمنون : ـ ٧١.
ومن لوازم ذلك أن يراعى حق الاعتقاد وفضيلة الخلق وصالح العمل جميعا فلا غنى للمادة عن المعنى ولا غنى للمعنى عن المادة فمن الواجب رعاية جانب الفضائل الإنسانية نفعت أو ضرت والتجنب عن الرذائل نفعت أو ضرت لأن ذلك من اتباع الحق ، وحاشا أن يضر إلا من انحرف عن ميزانه وتخطى ما يخط له الحق.
ومن هنا ما نرى أن الله سبحانه ينقض عهد المشركين لنقضهم عهده ويستعمل الرحمة بإمهالهم أربعة أشهر ، ويأمر بالاستقامة لمن استقام في عهده من المشركين وقد استذلهم الحوادث يومئذ وضعفوا دون شوكة الإسلام ، وكذا يأمر نبيه صلىاللهعليهوآله إن خاف من قوم خيانة أن ينقض عهدهم لكن يأمره بإعلامهم ذلك ويعلله بأنه لا يحب الخيانة.
( كلام في نسبة الأعمال إلى الأسباب طولا )
تقدم في مواضع من هذا الكتاب أن الذي تنتجه الأبحاث العقلية أن الحوادث كما أن لها نسبة إلى أسبابها القريبة المتصلة بها كذلك لها نسبة إلى أسبابها القصوى التي هي أسباب لهذه الأسباب فالحوادث أفعال لها في عين أنها من أفعال أسبابها القريبة المباشرة للعمل فإن الفعل كالحركة مثلا يتوقف على فاعله المحرك ويتوقف على محرك محركه بعين ما يتوقف على محركه ، نظير العجلة المحركة للأخرى المحركة لثالثة وليست من الحركة بالعرض.
فللفعل نسبة إلى فاعله ، وله انتساب إلى فاعل فاعله بعين هذه النسبة التي إلى فاعله لا بنسبة أخرى منفصلة عنها مستقلة بنفسها غير أنه إذا انتسب إلى فاعل الفاعل عاد الفاعل القريب بمنزلة الإله بالنسبة إلى فاعل الفاعل أي واسطة محضة لا استقلال لها
__________________
(١) ظاهر الآية كون الإضافة حقيقية لا من إضافة الموصوف إلى صفته.