في العمل بمعنى أنه لا يستغني في تأثيره عن فاعل الفاعل إذ فرض عدمه يساوق انعدام الفاعل وانعدام أثره.
وليس من شرط الواسطة أن تكون غير ذات شعور بفعلها أو غير مختارة فإن الشعور الذي يؤثر به الفاعل الشاعر في فعله لم يوجده هو لنفسه وإنما أوجده فيه فاعله الذي أوجد الفاعل وشعوره ، وكذلك الاختيار لم يوجده الفاعل المختار لنفسه وإنما أوجده الفاعل الذي أوجد الفاعل المختار ، وكما يتوقف الفعل في غير موارد الشعور والاختيار إلى فاعله ، ويتوقف بعين هذا التوقف إلى فاعل فاعله ، كذلك يتوقف الفعل الشعوري والفعل الاختياري إلى فاعله ويتوقف بعين هذا التوقف إلى فاعل فاعله الذي أوجد لفاعله الشعور والاختيار.
ففاعل الفاعل الشاعر أو المختار أراد من الفاعل الشاعر أو المختار أن يفعل من طريق شعوره فعلا كذا أو يفعل باختياره فعلا اختياريا كذا فقد أريد الفعل من طريق الاختيار لأنه أريد الفعل وأهمل الاختيار الذي ظهر به فاعله فافهم ذلك فلا تزل قدم بعد ثبوتها.
وعلى هذه الحقيقة يجري الناس بحسب فهمهم الغريزي فينسبون الفعل إلى السبب البعيد كما ينسبونه إلى السبب القريب المباشر بما أنه أثر مترشح منه يقال : بنى فلان دارا ، وحفر بئرا وإنما باشر ذلك البناء والحفار ، ويقال : جلد الأمير فلانا ، وقتل فلانا ، وأسر فلانا ، وحارب قوما كذا ، وإنما باشر الجلد جلاده ، والقتل سيافه ، والأسر جلاوزته ، والمحاربة جنده ، ويقال ، أحرق فلان ثوب فلان ، وإنما أحرقه النار ، وشفى فلان مريضا كذا وإنما شفاه الدواء الذي ناوله وأمره بشربه واستعماله.
ففي جميع ذلك يعتبر أمر الآمر أو توسل المتوسل تأثيرا منه في الفاعل القريب ثم ينسب الفعل المنسوب إلى الفاعل القريب إلى الفاعل البعيد ، وليس أصل النسبة إلا نسبة حقيقة من غير مجاز قطعا.
ومن قال من علماء الأدب وغيرهم إن ذلك كله من المجاز في الكلمة لصحة سلب الفعل عن الفاعل البعيد فإن مالك البناء لم يضع لبنة على لبنة وإنما هو شأن البناء الذي باشر العمل! إنما أراد الفعل بخصوصية صدوره عن الفعل المباشر ومن المسلم أن المباشرة إنما هو شأن الفاعل القريب ، ولا كلام لنا فيه ، وإنما الكلام فيما يتصور له