قوله تعالى : « وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ » الأمانة مصدر في الأصل وربما أريد به ما اؤتمن عليه من مال ونحوه ، وهو المراد في الآية ، ولعل جمعه للدلالة على أقسام الأمانات الدائرة بين الناس ، وربما قيل بعموم الأمانات لكل تكليف إلهي اؤتمن عليه الإنسان وما اؤتمن عليه من أعضائه وجوارحه وقواه أن يستعملها فيما فيه رضا الله وما ائتمنه عليه الناس من الأموال وغيرها ، ولا يخلو من بعد بالنظر إلى ظاهر اللفظ وإن كان صحيحا من جهة تحليل المعنى وتعميمه.
والعهد بحسب عرف الشرع ما التزم به بصيغة العهد شقيق النذر واليمين ، ويمكن أن يراد به مطلق التكليف المتوجه إلى المؤمن فإن الله سبحانه سمى إيمان المؤمن به عهدا وميثاقا منه على ما توجه إليه من تكاليفه تعالى بقوله : « أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ » البقرة ـ ١٠٠ ، وقوله : « وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ » الأحزاب ـ ١٥ ، ولعل إرادة هذا المعنى هو السبب في إفراد العهد لأن جميع التكاليف يجمعها عهد واحد بإيمان واحد.
والرعاية الحفظ ، وقد قيل : إن أصل الرعي حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه ثم استعمل في الحفظ مطلقا. انتهى. ولعل العكس أقرب إلى الاعتبار.
وبالجملة الآية تصف المؤمنين بحفظ الأمانات من أن تخان والعهد من أن ينقض ، ومن حق الإيمان أن يدعو إلى ذلك فإن في إيمانه معنى السكون والاستقرار والاطمئنان فإذا آمن أحد في أمانة أودعها عنده أو عهد عاهده وقطع على ذلك استقر عليه ولم يتزلزل بخيانة أو نقض.
قوله تعالى : « وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ » جمع الصلاة وتعليق المحافظة عليه دليل على أن المراد المحافظة على العدد فهم يحافظون على أن لا يفوتهم شيء من الصلوات المفروضة ويراقبونها دائما ومن حق إيمانهم أن يدعوهم إلى ذلك.
ولذلك جمعت الصلاة هاهنا وأفردت في قوله : « فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ » لأن الخشوع في جنس الصلاة على حد سواء فلا موجب لجمعها.
قوله تعالى : « أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ »