قوله تعالى : « وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ » إلخ ، رد منهم لقول المجرمين : « ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ » فإن المجرمين لإخلادهم إلى الأرض وتوغلهم في نشأة الدنيا يرون يوم البعث والفصل بينه وبين الدنيا محكوما بنظام الدنيا فقدروا الفصل بساعة وهو مقدار قليل من الزمان كأنهم ظنوا أنهم بعد في الدنيا لأنه مبلغ علمهم.
فرد عليهم أهل العلم والإيمان أن اللبث مقدر بالفصل بين الدنيا ويوم البعث وهو الفصل الذي يشير إليه قوله : « وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » المؤمنون : ١٠٠.
فاستنتجوا منه أن اليوم يوم البعث ولكن المجرمين لما كانوا في ريب من البعث ولم يكن لهم يقين بغير الدنيا ظنوا أنهم لم يمر بهم إلا ساعة من ساعات الدنيا وهذا معنى قولهم : « لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » ، أي كنتم جاهلين مرتابين لا يقين لكم بهذا اليوم ولذلك اشتبه عليكم أمر اللبث.
ومن هنا يظهر أن المراد بقوله : « أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ » ، اليقين والالتزام بمقتضاه وأن العلم بمعنى اليقين بالله وبآياته والإيمان بمعنى الالتزام بمقتضى اليقين من الموهبة الإلهية ، ومن هنا يظهر أيضا أن المراد بكتاب الله الكتب (١) السماوية أو خصوص القرآن لا غيره وقول بعضهم : إن في الآية تقديما وتأخيرا والتقدير وقال الذين أوتوا العلم والإيمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث لا يعتد به.
قوله تعالى : « فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ » الاستعتاب طلب العتبى ، والعتبى إزالة العتاب أي لا ينفعهم المعذرة عن ظلمهم ولا يطلب منهم أن يزيلوا العتاب عن أنفسهم.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ » إلخ ، إشارة
__________________
(١) ويمكن أن يكون المراد بكتاب الله اللوح المحفوظ فيكون ذلك استدلالا على قولهم بكتاب الله ويكون نظير ما في قوله : « هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق » ، الجاثية : ٢٩ بناء على ما سيأتي من معناه « منه ».