من طين هو النوع الذي ينتهي أفراده إلى من خلق من طين من غير تناسل من أب وأم كآدم وزوجه عليهالسلام ، والدليل على ذلك قوله بعده : « ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » فالنسل الولادة بانفصال المولود عن الوالدين والمقابلة بين بدء الخلق وبين النسل لا يلائم كون المراد ببدء الخلق بدء خلق الإنسان المخلوق من ماء مهين ، ولو كان المراد ذلك لكان حق الكلام أن يقال : ثم جعله سلالة من ماء مهين فافهمه.
وقوله : « ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » السلالة كما في المجمع ، الصفوة التي تنسل أي تنزع من غيرها ويسمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه ، والمهين من الهون وهو الضعف والحقارة وثم للتراخي الزماني.
والمعنى : ثم جعل ولادته بطريق الانفصال من صفوة من ماء ضعيف أو حقير.
قوله تعالى : « ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ » التسوية التصوير وتتميم العمل ، وفي قوله : « نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ » استعارة بالكناية بتشبيه الروح بالنفس الذي يتنفس به ثم نفخة في قالب من سواه ، وإضافة الروح إليه تعالى إضافة تشريفية ، والمعنى : ثم صور الإنسان المبدو خلقه من الطين والمجعول نسله من سلالة من ماء مهين ونفخ فيه من روح شريف منسوب إليه تعالى.
قوله تعالى : « وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ » امتنان بنعمة الإدراك الحسي والفكري فالسمع والبصر للمحسوسات والقلوب للفكريات أعم من الإدراكات الجزئية الخيالية والكلية العقلية.
وقوله : « قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ » أي تشكرون شكرا قليلا ، والجملة اعتراضية في محل التوبيخ وقيل : الجملة حالية ، والمعنى : جعل لكم الأبصار والأفئدة والحال أنكم تشكرون قليلا ، والجملة على أي حال مسوقة للبث والشكوى والتوبيخ.
والالتفات في قوله : « وَجَعَلَ لَكُمُ » إلخ ، من الغيبة إلى خطاب الجمع لتسجيل أن الإنعام الإلهي الشامل للجميع يربو على شكرهم فهم قاصرون أو أكثرهم مقصرون.
قوله تعالى : « وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ » حجة من منكري البعث مبنية على الاستبعاد. والضلال في الأرض قيل : هو الضيعة كما يقال : ضلت النعمة أي ضاعت ، وقيل : هو بمعنى الغيبة ، وكيف