الأرض بغير والد يولده فلم لا يقولون بأن آدم ابن الله؟.
ولو كان المراد بخلقه من تراب انتهاء خلقته كسائر المتكونين من النطف إلى الأرض كان المعنى : أن صفة عيسى ولا أب له كمثل آدم حيث تنتهي خلقته كسائر الناس إلى الأرض ، ومن المعلوم أن لا خصوصية لآدم على هذا المعنى حتى يؤخذ ويقاس إليه عيسى فيفسد معنى الآية في نفسه ومن حيث الاحتجاج به على النصارى.
وبهذا يظهر دلالة جميع الآيات الدالة على خلق آدم من تراب أو طين أو نحو ذلك ، على المطلوب كقوله : « إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ » ص : ٧١ وقوله : « وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ » الم السجدة : ٧.
وأما قول من قال : إن المراد بآدم هو آدم النوعي دون الشخصي بمعنى الطبيعة الإنسانية الخارجية الفاشية في الأفراد ، والمراد ببنوة الأفراد له تكثر الأشخاص منه بانضمام القيود إليه وقصة دخوله الجنة وإخراجه منها لمعصيته بإغواء من الشيطان تمثيل تخييلي لمكانته في نفسه ووقوفه موقف القرب ثم كونه في معرض الهبوط باتباع الهوى وطاعة إبليس.
ففيه أنه مدفوع بالآية السابقة وظواهر كثير من الآيات كقوله : « الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً » النساء : ١ فلو كان المراد بالنفس الواحدة آدم النوعي لم يبق لفرض الزوج لها محل ونظير الآية الآيات التي تفيد أن الله أدخله وزوجه الجنة وأنه وزوجه عصيا الله بالأكل من الشجرة.
على أن أصل القول بآدم النوعي مبني على قدم الأرض والأنواع المتأصلة ومنها الإنسان وأن أفراده غير متناهية من الجانبين والأصول العلمية تبطل ذلك بتاتا.
وأما القول بكون النسل منتهيا إلى أفراد معدودين كأربعة أزواج مختلفين ببياض اللون وسواده وحمرته وصفرته أو أزواج من الإنسان ناشئين بعضهم بالدنيا القديمة وبعضهم بالدنيا الحديثة والأراضي المكشوفة أخيرا وفيها بشر قاطنون كإمريكا وأستراليا.
فمدفوع بجميع الآيات الدالة على انتهاء النسل الحاضر إلى آدم وزوجه فإن المراد بآدم فيها إما شخص واحد إنساني وإما الطبيعة الإنسانية الفاشية في الأفراد وهو آدم
( ١٦ ـ الميزان ـ ١٧ )