قوله تعالى : « وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ » إلخ ، مقتضى السياق كونه جوابا من موسى عن قولهم : « وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ » في رد دعوى موسى ، وهو جواب مبني على التحدي كأنه يقول : إن ربي ـ وهو رب العالمين له الخلق والأمر ـ هو أعلم منكم بمن جاء بالهدى ومن تكون له عاقبة الدار وهو الذي أرسلني رسولا جائيا بالهدى ـ وهو دين التوحيد ـ ووعدني أن من أخذ بديني فله عاقبة الدار ، والحجة على ذلك الآيات البينات التي آتانيها من عنده.
فقوله : « رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ » يريد به نفسه والمراد بالهدى الدعوة الدينية التي جاء بها.
وقوله : « وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ » المراد بعاقبة الدار إما الجنة التي هي الدار الآخرة التي يسكنها السعداء كما قال تعالى حكاية عنهم : « وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ » الزمر : ٧٤ وإما عاقبة الدار الدنيا كما في قوله : « قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » الأعراف : ١٢٨ وإما الأعم الشامل للدنيا والآخرة ، والثالث أحسن الوجوه ثم الثاني كما يؤيده تعليله بقوله : « إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ».
وفي قوله : « إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ » تعريض لفرعون وقومه وفيه نفي أن تكون لهم عاقبة الدار فإنهم بنوا سنة الحياة على الظلم وفيه انحراف عن العدالة الاجتماعية التي تهدي إليها فطرة الإنسان الموافقة للنظام الكوني.
قال بعض المفسرين : والوجه في عطف قوله : « وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ » إلخ ، على قولهم : « ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً » إلخ حكاية القولين ليوازن السامع بينهما ليميز صحيحهما من الفاسد. انتهى. وما قدمناه من كون قول موسى عليهالسلام مسوقا لرد قولهم أوفق للسياق.
قوله تعالى : « وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي » إلى آخر الآية ، فيه تعريض لموسى بما جاء به من الدعوة الحقة المؤيدة بالآيات المعجزة يريد أنه لم يتبين له حقية ما يدعو إليه موسى ولا كون ما أتى به من الخوارق آيات معجزة من