ثم لقن سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآله الحجة عليهم بقوله : « قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » أي إن من الواجب في حكمة الله أن يكون هناك كتاب نازل من عند الله يهدي إلى الحق وتتم به الحجة على الناس وهم يعرفون فإن لم تكن التوراة والقرآن كتابي هدى وكافيين لهداية الناس فهناك كتاب هو أهدى منهما وليس كذلك إذ ما في الكتابين من المعارف الحقة مؤيدة بالإعجاز وبدلالة البراهين العقلية. على أنه ليس هناك كتاب سماوي هو أهدى منهما فالكتابان كتابا هدى والقوم في الإعراض عنهما متبعون للهوى ضالون عن الصراط المستقيم وهو قوله : « فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ » إلخ.
ثم مدح سبحانه قوما من أهل الكتاب راجعهم المشركون في أمر النبي صلىاللهعليهوآله والقرآن فأظهروا لهم الإيمان والتصديق وأعرضوا عن لغو القول الذي جبهوهم به.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ » إلخ اللام للقسم أي أقسم لقد أعطينا موسى الكتاب وهو التوراة بوحيه إليه.
وقوله : « مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى » أي الأجيال السابقة على نزول التوراة كقوم نوح ومن بعدهم من الأمم الهالكة ولعل منهم قوم فرعون ، وفي هذا التقييد إشارة إلى مسيس الحاجة حينئذ إلى نزول الكتاب لاندراس معالم الدين الإلهي بمضي الماضين وليشار في الكتاب الإلهي إلى قصصهم وحلول العذاب الإلهي بهم بسبب تكذيبهم لآيات الله ليعتبر به المعتبرون ويتذكر به المتذكرون.
وقوله : « بَصائِرَ لِلنَّاسِ » جمع بصيرة بمعنى ما يبصره به وكان المراد بها الحجج البينة التي يبصر بها الحق ويميز بها بينه وبين الباطل ، وهي حال من الكتاب وقيل : مفعول له.
وقوله : « وَهُدىً » بمعنى الهادي أو ما يهتدى به وكذا قوله : « وَرَحْمَةً » بمعنى ما يرحم به وهما حالان من الكتاب كبصائر ، وقيل : كل منهما مفعول له.
والمعنى : وأقسم لقد أعطينا موسى الكتاب وهو التوراة من بعد ما أهلكنا
( ١٦ ـ الميزان ـ ٤ )