فيصرح بالتسخير بخلاف ما هاهنا ثم التسخير له غايات كثيرة منها ابتغاء الفضل والأنسب لذلك عطف « لِتَبْتَغُوا » على محذوف ليدل على عدم انحصار الغاية في ابتغاء الفضل بخلاف ما هاهنا فإن الغرض بيان أنه الرازق المدبر ليرتدع المكذبون ـ وقد تقدم ذكر تكذيبهم ـ عن تكذيبهم ويكفي في ذلك بيان ابتغائهم الفضل غاية من غير حاجة إلى العطف.
والله أعلم.
وقال في روح المعاني ، في المقام : والذي يظهر لي في ذلك أن آية النحل سيقت لتعداد النعم كما يؤذن بذلك سوابقها ولواحقها وتعقيب الآيات بقوله سبحانه : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها » فكان الأهم هناك تقديم ما هو نعمة وهو مخر الفلك للماء بخلاف ما هنا فإنه إنما سيق استطرادا أو تتمة للتمثيل كما علمت آنفا فقدم فيه « فِيهِ » إيذانا بأنه ليس المقصود بالذات ذلك ، وكان الاهتمام بما هناك اقتضى أن يقال في تلك الآية : « وَلِتَبْتَغُوا » بالواو ومخالفة ما هنا لذلك اقتضت ترك الواو في قوله : « لِتَبْتَغُوا » انتهى.
قوله تعالى : « يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى » إلخ. إيلاج الليل في النهار قصر النهار بطول الليل وإيلاج النهار في الليل قصر الليل بطول النهار ، والمراد بالجملتين الإشارة إلى اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر المستمر في أيام السنة بتغير الأيام ولذا عبر بقوله : « يُولِجُ » الدال على استمرار التغيير بخلاف جريان الشمس والقمر فإنه ثابت على حاله ولذا عبر فيه بقوله : « وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى » والعناية صورية مسامحية.
وقوله : « ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ » بمنزلة النتيجة لما تقدم أي إذا كان أمر خلقكم وتدبيركم برا وبحرا وأرضا وسماء منتسبا إليه مدبرا بتدبيره فذلكم الله ربكم الذي يملككم ويدبر أمركم.
وقوله : « لَهُ الْمُلْكُ » مستنتج مما قبله وتوطئة وتمهيد لما بعده من قوله : « وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ».
وقوله : « وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ » القطمير على ما قاله الراغب الأثر على رأس النواة وذلك مثل للشيء الطفيف ، وفي المجمع ، القطمير لفافة النواة وقيل : الحبة في بطن النواة انتهى والكلام على أي حال مبالغة في نفي أصل الملك