قوله تعالى : « وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ » إلى آخر الآية عطف على قوله : « وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ » وإنما كرر قوله : « ما يَسْتَوِي » ولم يعطف « الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ » على قوله : « الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ » كرابعته لطول الفصل فأعيد « ما يَسْتَوِي » لئلا يغيب المعنى عن ذهن السامع فهو كقوله : « كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ » ـ إلى أن قال ـ « كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ » الخ. التوبة : ـ ٨.
والجمل المتوالية المترتبة أعني قوله : « وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ـ إلى قوله ـ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ » تمثيلات للمؤمن والكافر وتبعات أعمالهما.
وقوله : « إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ » وهو المؤمن كان ميتا فأحياه الله فأسمعه لما في نفسه من الاستعداد لذلك قال تعالى : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً » الأنعام : ـ ١٢٢ ، وأما النبي عليهالسلام فإنما هو وسيلة والهدى هدى الله.
وقوله : « وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ » أي الأموات والمراد بهم الكفار المطبوع على قلوبهم.
قوله تعالى : « إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ » قصر إضافي أي ليس لك إلا إنذارهم وأما هداية من اهتدى منهم وإضلال من ضل ولم يهتد جزاء له بسيئ عمله فإنما ذلك لله سبحانه.
ولم يذكر البشير مع النذير مع كونه صلىاللهعليهوآله متلبسا بالوصفين معا لأن المقام مقام الإنذار فالمناسب هو التعرض لوصف الإنذار مع أنه مذكور في الآية التالية.
قوله تعالى : « إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ » المفاد على ما يقتضيه السياق إنا أرسلناك بالتبشير والإنذار وليس ببدع مستغرب فما من أمة من الأمم إلا وقد خلا ومضى فيها نذير فذلك من سنن الله الجارية في خلقه.
وظاهر السياق أن المراد بالنذير الرسول المبعوث من عند الله وفسر بعضهم النذير بمطلق من يقوم بالعظة والإنذار من نبي أو عالم غير نبي وهو خلاف ظاهر الآية.
نعم ليس من الواجب أن يكون نذير كل أمة من أفرادها فقد قال تعالى : « خَلا فِيها » ولم يقل : « خلا منها ».
قوله تعالى : « وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ