الناس يوم الجمع من طريق الوحي لأنه وليهم الذي يحييهم بعد موتهم الحاكم بينهم فيما اختلفوا فيه.
ثم ساق الكلام فانتقل إلى توحيد الربوبية وأنه تعالى هو الرب لا رب غيره لاختصاصه بصفات الربوبية من غير شريك يشاركه في شيء منها.
قوله تعالى : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها » الإشارة إلى الوحي المفهوم من سابق السياق ، وأم القرى هي مكة المشرفة والمراد بإنذار أم القرى إنذار أهلها ، والمراد بمن حولها سائر أهل الجزيرة ممن هو خارج مكة كما يؤيده توصيف القرآن بالعربية.
وذلك أن الدعوة النبوية كانت ذات مراتب في توسعها فابتدأت الدعوة العلنية بدعوة العشيرة الأقربين كما قال : « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » الشعراء ، ٢١٤ ثم توسعت فتعلقت بالعرب عامة كما قال : « قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » حم السجدة : ٣ ثم بجميع الناس كما قال : « وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ».
ومن الدليل على ما ذكرناه من الأمر بالتوسع تدريجا قوله تعالى : « قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ـ إلى أن قال ـ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ » ص : ٨٧ فإن الخطاب على ما يعطيه سياق السورة لكفار قريش يقول سبحانه إنه ذكر للعالمين لا يختص ببعض دون بعض ، فإذا كان للجميع فلا معنى لأن يسأل بعضهم ـ كالنبي صلىاللهعليهوآله ـ بعضا عليه أجرا.
على أن تعلق الدعوة بأهل الكتاب وخاصة باليهود والنصارى من ضروريات القرآن ، وكذا إسلام رجال من غير العرب كسلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي من ضروريات التاريخ.
وقيل المراد بقوله : « مَنْ حَوْلَها » سائر الناس من أهل قرى الأرض كلها ويؤيده التعبير عن مكة بأم القرى.
والآية ـ كما ترى ـ تعرف الوحي بغايته التي هي إنذار الناس من طريق الإلقاء الإلهي وهو النبوة فالوحي إلقاء إلهي لغرض النبوة والإنذار.
قوله تعالى : « وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ » عطف