والسورة مكية كلها إلا آيتين اختلف فيهما سنشير إليهما في البحث الروائي الآتي إن شاء الله ، قوله تعالى : « أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ » إلخ ، وقوله : « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ » الآية.
قوله تعالى : « حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » تقدم تفسيره.
قوله تعالى : « ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى » إلخ ، المراد بالسماوات والأرض وما بينهما مجموع العالم المشهود علوية وسفلية ، والباء في « بِالْحَقِ » للملابسة ، والمراد بالأجل المسمى ما ينتهي إليه أمد وجود الشيء ، والمراد به في الآية الأجل المسمى لوجود مجموع العالم وهو يوم القيامة الذي تطوى (١) فيه السماء كطي السجل للكتب وتبدل الأرض (٢) غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار.
والمعنى : ما خلقنا العالم المشهود بجميع أجزائه العلوية والسفلية إلا ملابسا للحق له غاية ثابتة وملابسا لأجل معين لا يتعداه وجوده وإذا كان له أجل معين يفنى عند حلوله وكانت مع ذلك له غاية ثابتة فبعد هذا العالم عالم آخر هو عالم البقاء وهو المعاد الموعود ، وقد تكرر الكلام فيما تقدم في معنى كون الخلق بالحق.
وقوله : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ » المراد بالذين كفروا هم المشركون بدليل الآية التالية لكن ظاهر السياق أن المراد بكفرهم كفرهم بالمعاد ، و « ما » في « عَمَّا » مصدرية أو موصولة والثاني هو الأوفق للسياق والمعنى : والمشركون الذين كفروا بالمعاد عما أنذروا به ـ وهو يوم القيامة بما فيه من أليم العذاب لمن أشرك بالله ـ معرضون منصرفون.
قوله تعالى : « قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » إلى آخر الآية « أَرَأَيْتُمْ » بمعنى أخبروني والمراد بما تدعون من دون الله الأصنام التي كانوا يدعونها ويعبدونها وإرجاع ضمائر أولي العقل إليها بعد لكونهم ينسبون إليه أفعال أولي العقل وحجة الآية وما بعدها مع ذلك تجري في كل إله معبود من دون الله.
__________________
(١) إشارة إلى الآية ١٠٤ فيه من سورة الأنبياء.
(٢) إشارة إلى الآية ٤٨ من سورة إبراهيم.