لذلك وذلك بأن يهديهم إلى صراط يقربهم منه سلوكه فتشملهم مغفرته ورحمته بحط السيئات والاستقرار في دار السعادة الخالدة ، وكونه واجبا في حكمته لأن فيهم صلاحية هذا الكمال وهو الجواد الكريم ، قال تعالى : « وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً » إسراء : ٢٠ ، وقال : « وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ » النحل : ٩ ، والسبيل إلى هذه الهداية هي الدعوة من طريق الرسالة فمن الواجب في الحكمة أن يرسل إلى الناس رسولا يدعوهم إلى سبيله الموصلة إلى مغفرته ورحمته.
قوله تعالى : « قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ » إلخ ، البدع ما كان غير مسبوق بالمثل من حيث صفاته أو من حيث أقواله وأفعاله ولذا فسره بعضهم بأن المعنى : ما كنت أول رسول أرسل إليكم لا رسول قبلي ، وقيل : المعنى : ما كنت مبدعا في أقوالي وأفعالي لم يسبقني إليها أحد من الرسل.
والمعنى الأول لا يلائم السياق ولا قوله المتقدم : « وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » بالمعنى الذي تقدم توجيهه فثاني المعنيين هو الأنسب ، وعليه فالمعنى : لست أخالف الرسل السابقين في صورة أو سيرة وفي قول أو فعل بل أنا بشر مثلهم في من آثار البشرية ما فيهم وسبيلهم في الحياة سبيلي.
وبهذه الجملة يجاب عن مثل ما حكاه الله من قولهم : « ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها » الفرقان : ٨.
وقوله : « وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ » نفي لعلم الغيب عن نفسه فهو نظير قوله : « وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ » الأعراف : ١٨٨ ، والفرق بين الآيتين أن قوله : « وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ » إلخ ، نفي للعلم بمطلق الغيب واستشهاد له بمس السوء وعدم الاستكثار من الخير ، وقوله : « وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ » نفي للعلم بغيب خاص وهو ما يفعل به وبهم من الحوادث التي يواجهونها جميعا ، وذلك أنهم كانوا يزعمون أن المتلبس بالنبوة لو كان هناك نبي يجب أن يكون عالما في نفسه بالغيوب ذا قدرة مطلقة غيبية كما يظهر من اقتراحاتهم المحكية في القرآن فأمر صلىاللهعليهوآله أن يعترف ـ مصرحا به ـ أنه لا يدري ما يفعل به ولا بهم فينفي عن