نفسه العلم بالغيب ، وأن ما يجري عليه وعليهم من الحوادث خارج عن إرادته واختياره وليس له في شيء منها صنع بل يفعله به وبهم غيره وهو الله سبحانه.
فقوله : « وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ » كما ينفي عنه العلم بالغيب ينفي عنه القدرة على شيء مما يصيبه ويصيبهم مما هو تحت أستار الغيب.
ونفي الآية العلم بالغيب عنه صلىاللهعليهوآله لا ينافي علمه بالغيب من طريق الوحي كما يصرح تعالى به في مواضع من كلامه كقوله : « ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ » آل عمران : ٤٤ ، يوسف : ١٠٢ ، وقوله : « تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ » هود : ٤٩ ، وقوله : « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » الجن : ٢٧ ومن هذا الباب قول المسيح عليهالسلام : « وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ » آل عمران : ٤٩ ، وقول يوسف عليهالسلام لصاحبي السجن : « لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما » يوسف : ٣٧.
وجه عدم المنافاة أن الآيات النافية للعلم بالغيب عنه وعن سائر الأنبياء عليهمالسلام إنما تنفيه عن طبيعتهم البشرية بمعنى أن تكون لهم طبيعة بشرية أو طبيعة هي أعلى من طبيعة البشر من خاصتها العلم بالغيب بحيث يستعمله في جلب كل نفع ودفع كل شر كما نستعمل ما يحصل لنا من طريق الأسباب وهذا لا ينافي انكشاف الغيب لهم بتعليم إلهي من طريق الوحي كما أن إتيانهم بالمعجزات فيما أتوا بها ليس عن قدرة نفسية فيهم يملكونها لأنفسهم بل بإذن من الله تعالى وأمر ، قال تعالى : « قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً » الإسراء : ٩٣ ، جوابا عما اقترحوا عليه من الآيات ، وقال : « قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ » العنكبوت : ٥٠ ، وقال : « وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ » المؤمن : ٧٨.
ويشهد بذلك قوله بعده متصلا به : « إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ » فإن اتصاله بما قبله يعطي أنه في موضع الإضراب ، والمعنى : أني ما أدري شيئا من هذه الحوادث بالغيب من قبل نفسي وإنما أتبع ما يوحى إلي من ذلك.
وقوله : « وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ » تأكيد لجميع ما تقدم في الآية من قوله : « ما كُنْتُ بِدْعاً » إلخ ، و « وَما أَدْرِي » إلخ ، وقوله : « إِنْ أَتَّبِعُ » إلخ.