والظاهر أن « مِنْ » في « يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ » للتبعيض ، والمراد مغفرة بعض الذنوب وهي التي اكتسبوها قبل الإيمان ، قال تعالى : « إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ » الأنفال : ٣٨.
وقيل : المراد بهذا البعض حقوق الله سبحانه فإنها مغفورة بالتوبة والإيمان توبة وأما حقوق الناس فإنها غير مغفورة بالتوبة ، ورد بأن الإسلام يجب ما قبله.
قوله تعالى : « وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ » إلخ ، أي ومن لم يؤمن بداعي الله فليس بمعجز لله في الأرض برد دعوته وليس له من دون الله أولياء ينصرونه ويمدونه في ذلك ، والمحصل : أن من لم يجب داعي الله في دعوته فإنما ظلم نفسه وليس له أن يعجز الله بذلك لا مستقلا ولا بنصرة من ينصره من الأولياء فليس له أولياء من دون الله ، ولذلك أتم الكلام بقوله : « أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ».
قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ » إلخ ، الآية وما بعدها إلى آخر السورة متصلة بما تقدم من قوله تعالى : « وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ » إلخ ، وفيها تتميم القول فيما به الإنذار في هذه السورة وهو المعاد والرجوع إلى الله تعالى كما أشرنا إليه في البيان المتقدم.
والمراد بالرؤية العلم عن بصيرة ، والعي العجز والتعب ، والأول أفصح على ما قيل ، والباء في « بِقادِرٍ » زائدة لوقوعها موقعا فيه شائبة حيز النفي كأنه قيل : أليس الله بقادر.
والمعنى : أولم يعلموا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعجز عن خلقهن أو لم يتعب بخلقهن قادر على إحياء الموتى ـ وهو تعالى مبدئ وجود كل شيء وحياته ـ بلى هو قادر لأنه على كل شيء قدير ، وقد أوضحنا هذه الحجة فيما تقدم غير مرة.
قوله تعالى : « وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ » إلى آخر الآية ، تأييد للحجة المذكورة في الآية السابقة بالإخبار عما سيجري على منكري المعاد يوم القيامة ، ومعنى الآية ظاهر.