قوله تعالى : « فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ » إلى آخر الآية ، تفريع على حقية المعاد على ما دلت عليه الحجة العقلية وأخبر به الله سبحانه ونفي الريب عنه.
والمعنى : فاصبر على جحود هؤلاء الكفار وعدم إيمانهم بذاك اليوم كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم بالعذاب فإنهم سيلاقون اليوم بما فيه من العذاب وليس اليوم عنهم ببعيد وإن استبعدوه.
وقوله : « كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ » تبيين لقرب اليوم منهم ومن حياتهم الدنيا بالإخبار عن حالهم حينما يشاهدون ذلك اليوم فإنهم إذا رأوا ما يوعدون من اليوم وما هيئ لهم فيه من العذاب كان حالهم حال من لم يلبث في الأرض إلا ساعة من نهار.
وقوله : « بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ » أي هذا القرآن بما فيه من البيان تبليغ من الله من طريق النبوة فهل يهلك بهذا الذي بلغه الله من الإهلاك إلا القوم الفاسقون الخارجون عن زي العبودية.
وقد أمر الله سبحانه في هذه الآية نبيه صلىاللهعليهوآله أن يصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل وفيه تلويح إلى أنه صلىاللهعليهوآله منهم فليصبر كصبرهم ، ومعنى العزم هاهنا أما الصبر كما قال بعضهم لقوله تعالى : « وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » الشورى : ٤٣ ، وإما العزم على الوفاء بالميثاق المأخوذ من الأنبياء كما يلوح إليه قوله : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » طه : ١١٥ ، وإما العزم بمعنى العزيمة وهي الحكم والشريعة.
وعلى المعنى الثالث وهو الحق الذي تذكره روايات أئمة أهل البيت عليهالسلام هم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم ولقوله تعالى : « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى » الشورى : ١٣ ، وقد مر تقريب معنى الآية.
وعن بعض المفسرين أن جميع الرسل أولوا العزم ، وقد أخذ « مِنَ الرُّسُلِ »