وقوله : « قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً » المراد بالذين أوتوا العلم العلماء بالله من الصحابة ، والضمير في « ما ذا قالَ » للنبي صلىاللهعليهوآله.
والاستفهام في قولهم : « ما ذا قالَ آنِفاً » قيل : للاستعلام حقيقة لأن استغراقهم في الكبر والغرور واتباع الأهواء ما كان يدعهم أن يفقهوا القول الحق كما قال تعالى : « فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً » النساء : ٧٨ ، وقيل : للاستهزاء ، وقيل : للتحقير كأن القول لكونه مشحونا بالأباطيل لا يرجع إلى معنى محصل ، ولكل من المعاني الثلاثة وجه.
وقوله : « أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ » تعريف لهم ، وقوله : « وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ » تعريف بعد تعريف فهو كعطف التفسير ، ويتحصل منه أن اتباع الأهواء أمارة الطبع على القلب فالقلب غير المطبوع عليه الباقي على طهارة الفطرة الأصلية لا يتوقف في فهم المعارف الدينية والحقائق الإلهية.
قوله تعالى : « وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ » المقابلة الظاهرة بين الآية وبين الآية السابقة يعطي أن المراد بالاهتداء ما يقابل الضلال الملازم للطبع على القلب وهو التسليم لما تهدي إليه الفطرة السليمة واتباع الحق ، وزيادة هداهم من الله سبحانه رفعه تعالى درجة إيمانهم ، وقد تقدم أن الهدى والإيمان ذو مراتب مختلفة ، والمراد بالتقوى ما يقابل اتباع الأهواء وهو الورع عن محارم الله والتجنب عن ارتكاب المعاصي.
وبذلك يظهر أن زيادة الهدى راجع إلى تكميلهم في ناحية العلم وإيتاء التقوى إلى تكميلهم في ناحية العمل ، ويظهر أيضا بالمقابلة أن الطبع على القلوب راجع إلى فقدانهم كمال العلم واتباع الأهواء راجع إلى فقدانهم العمل الصالح وحرمانهم منه وهذا لا ينافي ما قدمنا أن اتباع الأهواء كعطف التفسير بالنسبة إلى الطبع على القلوب.
قوله تعالى : « فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها » إلخ ، النظر هو الانتظار ، والأشراط جمع شرط بمعنى العلامة ، والأصل في معناه الشرط بمعنى ما يتوقف عليه وجود الشيء لأن تحققه علامة تحقق الشيء فأشراط الساعة علاماتها الدالة عليها.