وسياق الآية سياق التهكم كأنهم واقفون موقفا عليهم إما أن يتبعوا الحق فتسعد بذلك عاقبتهم ، وإما أن ينتظروا الساعة حتى إذا أيقنوا بوقوعها وأشرفوا عليها تذكروا وآمنوا واتبعوا الحق أما اتباع الحق اليوم فلم يخضعوا له بحجة أو بموعظة أو عبرة ، وأما انتظارهم مجيء الساعة ليتذكروا عنده فلا ينفعهم شيئا فإنها تجيء بغتة ولا تمهلهم شيئا حتى يستعدوا لها بالذكرى وإذا وقعت لم ينفعهم الذكرى لأن اليوم يوم جزاء لا يوم عمل قال تعالى : « يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي : الفجر : ٢٤.
مضافا إلى أن أشراطها وعلاماتها قد جاءت وتحققت ، ولعل المراد بأشراطها خلق الإنسان وانقسام نوعه إلى صلحاء ومفسدين ومتقين وفجار المستدعي للحكم الفصل بينهم ونزول الموت عليهم فإن ذلك كله من شرائط وقوع الواقعة وإتيان الساعة ، وقيل : المراد بأشراط الساعة ظهور النبي صلىاللهعليهوآله وهو خاتم الأنبياء وانشقاق القمر ونزول القرآن وهو آخر الكتب السماوية.
هذا ما يعطيه التدبر في الآية من المعنى وهي ـ كما ترى ـ حجة برهانية في عين أنها مسوقة سوق التهكم.
وعليه فقوله : « بَغْتَةً » حال من الإتيان جيء به لبيان الواقع وليتفرع عليه قوله الآتي : « فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ » وليس قيدا للانتظار حتى يفيد أنهم إنما ينتظرون إتيانها بغتة ، ولدفع هذا التوهم قيل : « إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً » ولم يقل : إلا أن تأتيهم الساعة بغتة.
وقوله : « فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ » أنى خبر مقدم و « ذِكْراهُمْ » مبتدأ مؤخر و « إِذا جاءَتْهُمْ » معترضة بينهما ، والمعنى : فكيف يكون لهم أن يتذكروا إذا جاءتهم؟ أي كيف ينتفعون بالذكرى في يوم لا ينفع العمل الذي يعمل فيه وإنما هو يوم الجزاء.
وللقوم في معنى جمل الآية ومعناها بالجملة أقوال مختلفة تركنا إيرادها من أرادها فليراجع كتبهم المفصلة.
قوله تعالى : « فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ » إلخ ، قيل : هو متفرع على جميع ما تقدم في السورة من سعادة المؤمنين وشقاوة الكفار