بسمعهم فلا يسمعون القول الحق وأعمى أبصارهم فلا يرون الرأي الحق فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.
قوله تعالى : « أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها » الاستفهام للتوبيخ وضمير الجمع راجع إلى المذكورين في الآية السابقة ، وتنكير « قُلُوبٍ » كما قيل للدلالة على أن المراد قلوب هؤلاء وأمثالهم.
قال في مجمع البيان : وفي هذا دلالة على بطلان قول من قال : لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر وسمع. انتهى.
قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ » الارتداد على الأدبار الرجوع إلى الاستدبار بعد الاستقبال وهو استعارة أريد بها الترك بعد الأخذ ، والتسويل تزيين ما تحرض النفس عليه وتصوير القبيح لها في صورة الحسن ، والمراد بالإملاء الأمداد أو تطويل الآمال.
قوله تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ » الإشارة بذلك إلى تسويل الشيطان وإملائه وبالجملة تسلطه عليهم ، والمراد بـ « لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ » هم الذين كفروا كما تقدم في قوله : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ » الآية : ٩ من السورة.
وقوله : « سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ » مقول قولهم ووعد منهم للكفار بالطاعة وهو كما يلوح من تقييد الطاعة ببعض الأمر على نحو الإجمال كلام من لا يقدر على التظاهر بطاعة من يريد طاعته في جميع الأمور لكونه على خطر من التظاهر بالطاعة المطلقة فيسر إلى من يعده أنه سيطيعه في بعض الأمر وفيما تيسر له ذلك ثم يكتم ذلك ويقعد متربصا للدوائر.
ويستفاد من ذلك أن هؤلاء كانوا قوما من المنافقين أسروا إلى الكفار ما حكاه تعالى عنهم ووعدهم الطاعة لهم مهما تيسر لهم ذلك ، ويؤيد ذلك قوله تعالى بعد : « وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ ».
واختلفوا في هؤلاء من هم؟ فقيل : هم اليهود قالوا للمنافقين : إن أعلنتم الكفر