والإشارة بذلكم إلى من أقيمت الحجج في الآيتين على وجوب اتخاذه وليا وهو الله سبحانه ، ولازم ولايته ربوبيته.
لما أقيمت الحجج على أنه تعالى هو الولي لا ولي غيره أمر صلىاللهعليهوآله بإعلام أنه الله وأنه اتخذه وليا بالاعتراف له بالربوبية التي هي ملك التدبير ثم عقب ذلك بالتصريح بما للاتخاذ المذكور من الآثار وهو قوله : « عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ».
وذلك أن ولاية الربوبية تتعلق بنظام التكوين بتدبير الأمور وتنظيم الأسباب والمسببات بحيث يتعين بها للمخلوق المدبر كالإنسان مثلا ما قدر له من الوجود والبقاء ، وتتعلق بنظام التشريع وهو تدبير أعمال الإنسان بجعل قوانين وأحكام يراعيها الإنسان بتطبيق أعماله عليها في مسير حياته لتنتهي به إلى كمال سعادته.
ولازم اتخاذه تعالى ربا وليا من جهة التكوين إرجاع أمر التدبير إليه بالانقطاع عن الأسباب الظاهرية والركون إليه من حيث أنه سبب غير مغلوب ينتهي إليه كل سبب وهذا هو التوكل ، ومن جهة التشريع الرجوع إلى حكمه في كل واقعة يستقبله الإنسان في مسير حياته وهذا هو الإنابة فقوله : « عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ » أي أرجع في جميع أموري ، تصريح بإرجاع الأمر إليه تكوينا وتشريعا.
قوله تعالى : « فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » إلى آخر الآية لما صرح بأنه تعالى هو ربه لقيام الحجج على أنه هو الولي وحده عقب ذلك بإقامة الحجة في هذه الآية والتي بعدها على ربوبيته تعالى وحده.
ومحصل الحجة : أنه تعالى موجد الأشياء وفاطرها بالإخراج من كتم العدم إلى الوجود وقد جعلكم أزواجا فكثركم بذلك وجعل من الأنعام أزواجا فكثرها بذلك لتنتفعوا بها ، وهذا خلق وتدبير ، وهو سميع لما يسأله خلقه من الحوائج فيقضي لكل ما يستحقه من الحاجة ، بصير لما يعمله خلقه من الأعمال فيجازيهم بما عملوا وهو الذي يملك مفاتيح خزائن السماوات والأرض التي ادخر فيها ما لها من خواص وجودها وآثاره مما يتألف منها بظهورها النظام المشهود وهو الذي يرزق المرزوقين فيوسع في رزقهم ويضيق عن علم منه بذلك. وهذا كله من التدبير فهو الرب المدبر للأمور.