الذي قلما يوجد ـ أو لا يوجد ـ له نظير إذ فتح له مكة والطائف وانبسط الإسلام في أرض الجزيرة وانقلع الشرك وذل اليهود وخضع له نصارى الجزيرة والمجوس القاطنون بها ، وأكمل تعالى للناس دينهم وأتم عليهم نعمته ورضي لهم الإسلام دينا.
قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ » إلخ ، الظاهر أن المراد بالسكينة سكون النفس وثباتها واطمئنانها إلى ما آمنت به ، ولذا علل إنزالها فيها بقوله : « لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ » وقد تقدم البحث عن السكينة في ذيل قوله تعالى : « أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ » البقرة : ٢٤٨ في الجزء الثاني من الكتاب وذكرنا هناك أنها تنطبق على روح الإيمان المذكور في قوله تعالى : « وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » المجادلة : ٢٢.
وقيل : السكينة هي الرحمة ، وقيل : العقل ، وقيل : الوقار والعصمة لله ولرسوله ، وقيل : الميل إلى ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوآله ، وقيل : ملك يسكن قلب المؤمن ، وقيل : شيء له رأس كرأس الهرة ، وهذه الأقاويل لا دليل على شيء منها.
والمراد بإنزال السكينة في قلوبهم إيجادها فيها بعد عدمها فكثيرا ما يعبر في القرآن عن الخلق والإيجاد بالإنزال كقوله : « وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ » الزمر : ٦ ، وقوله : « وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ » الحديد : ٢٥ ، وقوله : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » الحجر : ٢١. وإنما عبر عن الخلق والإيجاد بالإنزال للإشارة إلى علو مبدئه.
وقيل : المراد بالإنزال الإسكان والإقرار من قولهم : نزل في مكان كذا أي حط رحله فيه وأنزلته فيه أي حططت رحله فيه هذا.
وهو معنى غير معهود في كلامه تعالى مع كثرة وروده فيه ، ولعل الباعث لهم على اختيار هذا المعنى تعديته في الآية بلفظة « في » إذ قال : « أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ » لكنه عناية كلامية لوحظ فيها تعلق السكينة بالقلوب تعلق الاستقرار فيها كما لوحظ تعلقها تعلق الوقوع عليها من علو في قوله الآتي : « فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ » الآية وقوله : « فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ » الآية.
والمراد بزيادة الإيمان اشتداده فإن الإيمان بشيء هو العلم به مع الالتزام بحيث يترتب عليه آثاره العملية ، ومن المعلوم أن كلا من العلم والالتزام المذكورين مما يشتد