جميعا وعدم التفرق والتشتت فيه بإقامة بعض وترك بعض ، وإقامته الإيمان بجميع ما أنزل الله والعمل بما يجب عليه العمل به.
فجميع الشرائع التي أنزلها الله على أنبيائه دين واحد يجب إقامته وعدم التفرق فيه فأما الأحكام السماوية المشترك فيها الباقية ببقاء التكليف فمعنى الإقامة فيها ظاهر وأما الأحكام المشرعة في بعض هذه الشرائع المنسوخة في الشريعة اللاحقة فحقيقة الحكم المنسوخ أنه حكم ذو أمد خاص بطائفة من الناس في زمن خاص ومعنى نسخه تبين انتهاء أمده لا ظهور بطلانه قال تعالى : « وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ » الأحزاب : ٤ فالحكم المنسوخ حق دائما غير أنه خاص بطائفة خاصة في زمن خاص يجب عليهم أن يؤمنوا به ويعملوا به ويجب على غيرهم أن يؤمنوا به فحسب من غير عمل وهذا معنى إقامته وعدم التفرق فيه.
فتبين أن الأمر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه في قوله : « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » مطلق شامل لجميع الناس في جميع الأزمان.
وبذلك يظهر فساد قول جمع إن الأمر بالإقامة وعدم التفرق إنما يشمل الأحكام المشتركة بين الشرائع دون المختصة فهي أحكام متفاوتة مختلفة باختلاف الأمم من حيث أحوالها ومصالحها.
وذلك أنه لا موجب لتقييد إطلاق قوله : « أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » ولو كان كما يقولون كان الأمر بالإقامة مختصا بأصول الدين الثلاثة : التوحيد والنبوة والمعاد ، وأما غيرها من الأحكام الفرعية فلا يكاد يوجد هناك حكم واحد مشترك فيه في جميع خصوصياته بين جميع الشرائع وهذا مما يأباه قطعا سياق قوله : « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ » إلخ ، ومثل قوله : « وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً » المؤمنون : ٥٣ وقوله : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ » آل عمران : ١٩.
وقوله : « كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » المراد بقوله : « ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ »