دين التوحيد الذي كان يدعو إليه النبي صلىاللهعليهوآله لا أصل التوحيد فحسب على ما تشهد به الآية التالية ، والمراد بكبره على المشركين تحرجهم من قبوله.
وقوله : « اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ » الاجتباء هو الجمع والاجتلاب ، ومقتضى اتساق الضمائر أن يكون ضمير « إِلَيْهِ » الثاني والثالث راجعا إلى ما يرجع إليه الأول والمعنى الله يجمع ويجتلب إلى دين التوحيد ـ وهو ما تدعوهم إليه ـ من يشاء من عباده ويهدي إليه من يرجع إليه فيكون مجموع قوله : « كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ » في معنى قوله : « هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ » الحج : ٧٨.
وقيل : الضميران لله تعالى ، ولا بأس به لكن ما تقدم هو الأنسب ، وعلى أي حال قوله : « اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ » إلى آخر الآية موضوع موضع الاستغناء عن إيمان المشركين المستكبرين للإيمان نظير قوله تعالى : « فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ » حم السجدة : ٣٨.
وقيل : المراد بما تدعوهم إليه ما تدعوهم إلى الإيمان به وهو الرسالة أي إن رسالتك كبرت عليهم ، وقوله : « اللهُ يَجْتَبِي » إلخ في معنى قوله : « اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » الأنعام : ١٢٤ وهو خلاف الظاهر.
قوله تعالى : « وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ » إلى آخر الآية ضمير « تَفَرَّقُوا » للناس المفهوم من السياق ، والبغي الظلم أو الحسد ، وتقييده بقوله : « بَيْنَهُمْ » للدلالة على تداوله ، والمعنى وما تفرق الناس الذين شرعت لهم الشريعة باختلافهم وتركهم الاتفاق إلا حال كون تفرقهم آخذا ـ أو ناشئا ـ من بعد ما جاءهم العلم بما هو الحق ظلما أو حسدا تداولوه بينهم.
وهذا هو الاختلاف في الدين المؤدي إلى الانشعابات والتحزبات الذي ينسبه الله سبحانه في مواضع من كلامه إلى البغي ، وأما الاختلاف المؤدي إلى نزول الشريعة وهو الاختلاف في شئون الحياة والتفرق في أمور المعاش فهو أمر عائد إلى اختلاف طبائع الناس في مقاصدهم وهو الذريعة إلى نزول الوحي وتشريع الشرع لرفعه كما يشير