كلامهم ، والاستشهاد لذلك بقوله تعالى : « لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ » مبني على إرجاع ضمير « تَزَيَّلُوا » إلى المؤمنين وضمير « مِنْهُمْ » للذين كفروا ، وقد تقدم في تفسير الآية أن الضميرين جميعا راجعان إلى مجموع المؤمنين والكافرين من أهل مكة فتكون « مَنْ » تبعيضية لا بيانية.
وبعد ذلك كله لو كانت العدة بالمغفرة أو نفس المغفرة شملتهم شمولا مطلقا من غير اشتراط بالإيمان والعمل الصالح وكانوا مغفورين ـ آمنوا أو أشركوا وأصلحوا أو فسقوا ـ لزمته لزوما بينا لغوية جميع التكاليف الدينية في حقهم وارتفاعها عنهم وهذا مما يدفعه الكتاب والسنة فهذا الاشتراط ثابت في نفسه وإن لم يتعرض له في اللفظ ، وقد قال تعالى في أنبيائه : « وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » الأنعام : ٨٨ ، فأثبته في أنبيائه وهم معصومون فكيف فيمن هو دونهم.
فإن قيل : اشتراط الوعد بالمغفرة والأجر العظيم بالإيمان والعمل الصالح اشتراط عقلي كما ذكر ولا سبيل إلى إنكاره لكن سياق قوله : « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ » يشهد باتصافهم بالإيمان وعمل الصالحات وأنهم واجدون للشرط.
وخاصة بالنظر إلى تأخير « مِنْهُمْ » عن قوله : « الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » حيث يدل على أن عمل الصالحات لا ينفك عنهم بخلاف قوله في آية النور : « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ » النور : ٥٥ ، كما ذكره بعضهم ، ويؤيده أيضا قوله في مدحهم « تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً » حيث يدل على الاستمرار.
قلنا : أما تأخير « مِنْهُمْ » في الآية فليس للدلالة على كون العمل الصالح لا ينفك عنهم بل لأن موضوع الحكم هو مجموع « الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » ولا يترتب على مجرد الإيمان من دون العمل الصالح أثر المغفرة والأجر ثم قوله : « مِنْهُمْ » متعلق بمجموع الموضوع فمن حقه أن يذكر بعد تمام الموضوع وهو « الذين آمنوا وعملوا الصالحات » ، وأما تقدم الضمير في قوله : « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ » فلانة مسوق سوق البشرى للمؤمنين والأنسب لها التسريع في خطاب من بشر بها لينشط بذلك وينبسط لتلقي البشرى.