الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ » يوسف : ٤٠ ، وقال : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ » النساء : ٦٤.
ومن الشاهد على ذلك تصدير النهي بقوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » وتذييله بقوله : « وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » الظاهر في أن المراد بما بين يدي الله ورسوله هو المقام الذي يربط المؤمنين المتقين بالله ورسوله وهو مقام الحكم الذي يأخذون منه أحكامهم الاعتقادية والعملية.
وبذلك يظهر أن المراد بقوله : « لا تُقَدِّمُوا » تقديم شيء ما من الحكم قبال حكم الله ورسوله إما بالاستباق إلى قول قبل أن يأخذوا القول فيه من الله ورسوله أو إلى فعل قبل أن يتلقوا الأمر به من الله ورسوله لكن تذييله تعالى النهي بقوله : « إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » يناسب تقديم القول دون تقديم الفعل ودون الأعم الشامل للقول والفعل وإلا لقيل : إن الله سميع بصير ليحاذي بالسميع القول وبالبصير الفعل كما يأتي تعالى في كثير من موارد الفعل بمثل قوله : « وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » الحديد : ٤ ، فمحصل المعنى : أن لا تحكموا فيما لله ولرسوله فيه حكم إلا بعد حكم الله ورسوله أي لا تحكموا إلا بحكم الله ورسوله ولتكن عليكم سمة الاتباع والاقتفاء.
لكن بالنظر إلى أن كل فعل وترك من الإنسان لا يخلو من حكم له فيه وكذلك العزم والإرادة إلى فعل أو ترك يدخل الأفعال والتروك وكذا إرادتها والعزم عليها في حكم الاتباع ، ويفيد النهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله النهي عن المبادرة والإقدام إلى قول لم يسمع من الله ورسوله ، وإلى فعل أو ترك أو عزم وإرادة بالنسبة إلى شيء منهما قبل تلقي الحكم من الله ورسوله فتكون الآية قريبة المعنى من قوله تعالى في صفة الملائكة : « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » الأنبياء : ٢٧.
وهذا الاتباع المندوب إليه بقوله : « لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ » هو الدخول في ولاية الله والوقوف في موقف العبودية والسير في مسيرها بجعل العبد مشيته تابعة لمشية الله في مرحلة التشريع كما أنها تابعة لها في مرحلة التكوين قال تعالى : « وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ » الإنسان : ٣٠ ، وقال : « وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » آل عمران : ٦٨ ، وقال : « وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ » الجاثية : ١٩.
وللقوم في قوله تعالى : « لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ » وجوه