فالركون إلى الخبر بمعنى ترتيب الأثر عليه عملا ومعاملة مضمونة معاملة العلم الحاصل للإنسان من طريق المشاهدة والنظر في الجملة مما يتوقف عليه حياة الإنسان الاجتماعية توقفا ابتدائيا ، وعليه بناء العقلاء ومدار العمل.
فالخبر إن كان متواترا أو محفوفا بقرائن قطعية توجب قطعية مضمونه كان حجة معتبرة من غير توقف فيها فإن لم يكن متواترا ولا محفوفا بما يفيد قطعية مضمونه وهو المسمى بخبر الواحد اصطلاحا كان المعتبر منه عندهم ما هو الموثوق به بحسب نوعه وإن لم يفده بحسب شخصه ، وكل ذلك لأنهم لا يعملون إلا بما يرونه علما وهو العلم الحقيقي أو الوثوق والظن الاطمئناني المعدود علما عادة.
إذا تمهد هذا فقوله تعالى في تعليل الأمر بالتبين في خبر الفاسق : « أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ » إلخ ، يفيد أن المأمور به هو رفع الجهالة وحصول العلم بمضمون الخبر عند ما يراد العمل به وترتيب الأثر عليه ففي الآية إثبات ما أثبته العقلاء ونفي ما نفوه في هذا الباب ، وهو إمضاء لا تأسيس.
قوله تعالى : « وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ » إلخ ، العنت الإثم والهلاك ، والطوع والطاعة الانقياد لكن أكثر ما يقال الطاعة في الائتمار لما أمر والارتسام لما رسم على ما ذكره الراغب لكن ربما يعكس الأمر فيسمى جري المتبوع على ما يريده التابع ويهواه طاعة من المتبوع للتابع ومنه قوله تعالى في الآية : « لَوْ يُطِيعُكُمْ » حيث سمي عمل الرسول على ما يراه ويهواه المؤمنون طاعة منه لهم.
والآية على ما يفيده السياق من تتمة الكلام في الآية السابقة تعمم ما فيها من الحكم وتؤكد ما فيها من التعليل فمضمون الآية السابقة الحكم بوجوب التبين في خبر الفاسق وتعليله بوجوب التحرز عن بناء العمل على الجهالة ، ومضمون هذه الآية تنبيه المؤمنين على أن الله سبحانه أوردهم شرع الرشد ولذلك حبب إليهم الإيمان وزينة في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان فعليهم أن لا يغفلوا عن أن فيهم رسول الله وهو مؤيد من عند الله وعلى بينة من ربه لا يسلك إلا سبيل الرشد دون الغي فعليهم أن يطيعوا الرسول صلىاللهعليهوآله فيما يأمرهم به ويريدوا ما أراده ويختاروا ما اختاره ، ولا يصروا على أن يطيعهم في آرائهم وأهوائهم فإنه لو يطيعهم في كثير من الأمر جهدوا وهلكوا.